تخطى الى المحتوى

عن هرم ماسلو والحاجة للاعتراف والتقدير، عن انتخابات الغرفة التجارية وحماس المتنافسين

فؤاد الفرحان
فؤاد الفرحان

من جدة وعبر السوشل ميديا، يبدو لي أن حديث الناس في الرياض هذه الأيام عن الحملات التسويقية الخاصة بالمرشحين للغرفة التجارية بالرياض. لا تحتاج أن تكون مهتم بنشاط الغرفة التجارية أو مجال الانتخابات حتى تعرف بالصراع الحامي بين المرشحين، حيث يظهر أنهم لم يبقوا على وسيلة تسويقية يمكن اللجوء لها لنشر صورهم ورسائلهم من خلالها إلّا واستخدموها. أهل تويتر كعادتهم بالطبع، لم يتوانوا عن نشر المحتوى الإبداعي على شكل صور ومقاطع تعبيرية وساخرة تدور حول شخصيات المترشحين وتنافسهم. هل كراسي مجلس إدارة الغرفة التجارية تستحق هذه الحملات التي يتم صرف ملايين الريالات عليها؟

لا أرى أن المبالغ والجهود المبذولة للحصول على كرسي في الغرفة التجارية تساوي المكاسب العامّة المرجوة، ولكن ربما تستحق المكاسب الشخصية للمرشحين. يصرّ المرشحين على أن هدفهم من الترشّح هو خدمة التجار وقطاع الأعمال عبر وجودهم في الغرف التجارية المختلفة لأجل إيصال مطالبهم وآمالهم والتأثير في السياسات لصالحهم. ولكن الحقيقة أن الحكومة ممثلة في وزارة التجارة وباقي القطاعات هي من يقود التغيير الجذري الإصلاحي في قطاع الأعمال، وهي من يصيغ السياسات التشريعية الجديدة بالتعاون أجهزة الدولة المختلفة ومجلس الشورى. لا أعتقد أن للغرف التجارية أي تأثير مهم على التحولّات والقرارات الاقتصادية الإصلاحية التي اعتمدت السنوات الماضية. دور الغرف التجارية في التأثير على المشهد والاقطاع الاقتصادي الوطني لا يذكر في هذه الفترة. فلماذا تصرف هذه الملايين على هذه الحملات التسويقية؟

أعتقد هناك ثلاث أنواع من المرشّحين:

  • كبار الأثرياء من رجال الأعمال (الطبقة الأرستقراطية أو المخملية في المجتمع)
  • الصف الثاني والثالث من الأثرياء ورجال الأعمال (أثرياء الطبقة البرجوازية)
  • رجال الأعمال الكادحين (لديهم نشاط وسجّلات تجارية ولديهم وقت، ليسوا بثراء الطبقتين السابقة ولكن مجتهدين)

جميع المرشحين يقولون أن أهدافهم من الترشح هي تمثيل قطاع ورجال الأعمال، ولكن لا أحد يتحدث عن الأهداف الشخصية التي يسعى لها كل مرشح. وأنا أرى أن المكاسب والأهداف الشخصية هي الأساس والسبب الأول خلف الترشح وصرف الأموال في الحملات التسويقية، وهو ليس بأمر معيب أو مخجل، فطبيعة رجل الأعمال هي السعي خلف البزنس والربح والعلاقات، وإذا كان ممكن تحقيق المزيد من ذلك عبر قنوات جديدة مثل الغرف التجارية فما المانع؟ ولكن السؤال ماذا يمكن أن تحققه الفئات الثلاث من سباق انتخابات كهذا؟

الطبقة الأرستقراطية أو المخملية في المجتمع: كبار الأثرياء من رجال الأعمال

المكسب الأكبر هو انتزاع الإعتراف بهم وبأهميتهم وقوتهم في: ١- أوساط قطاع الأعمال، ٢- تعرّف المجتمع ككل عليهم وعلى صورهم وأسمائهم. المجتمع يعرف لاعبي الكرة والفنانين والفاشنستا ومشاهير السوشل ميديا، ولكن لا يعرف صور وأسماء ٩٩،٩٪ من أفراد الطبقة الأرستقراطية وكبار الأثرياء. وجودهم في الغرفة التجارية لن يساهم في زيادة رصيد ثرواتهم ولا تقوية علاقاتهم، لأنهم كانوا قد وصلوا لمستوى عالي من الثروة والعلاقات مسبقاً. ولكن المال لوحده لا يكفي لإشباع احتياجات الإنسان. “الحاجة إلى التقدير” يقع في المرتبة الرابعة على هرم ماسلو. احترام وتقدير الأهل والأصدقاء والموظفين والعاملين في شركات المترشح هو احترام غير محايد. ولكن انتراع معرفة الجمهور بأسمائهم وصورهم، وانتزاع تمثيل قطاع الأعمال وترسيخ الإسم وسطهم يشبع بعض الغرور ويسد الحاجة النفسية. تخيّل نفسك وأنت ترى اسمك وصورتك في الصحف والشوارع وعلى جوانب السيارات والعمائر وفي الإذاعات والتلفزيون. أي شعور بالقوة يتملكك آنذاك؟ ما فائدة تكوين ثروة لا منتهية وفي نفس الوقت لا يعلم الناس أنني بذلك الثراء وبتلك القوة؟ انتزاع الوجاهة عند البعض يستحق دفع الملايين.

أثرياء الطبقة البرجوازية: الصف الثاني والثالث من الأثرياء ورجال الأعمال

يصرفون أموال أقل بكثير من الفئة السابقة في حملاتهم، ينتمون لأعلى شريحة من الفئة المتوسطة في المجتمع. مكسبهم الحقيقي هو احتكاكهم المباشر مع الفئة السابقة ومع أقرانهم، وإقامة علاقات تعارف وصداقة تؤدي إلى فرص تجارية مشتركة وعلاقات عمل. اكتساب معرفة الجمهور بهم وبالذات قطاع الأعمال هو مكسب كبير، ولكن شعور “الحاجة إلى التقدير” ليس هدفهم الحقيقي ولا يهمهم في المرحلة الحالية من حياتهم. تعظيم الثروة عبر بناء علاقات مباشرة مع الآخرين في الغرفة التجارية واستكشاف الفرص التجارية الواعدة هي الأهداف.

رجال الأعمال الكادحين: لديهم سجّلات ونشاطات تجارية ولديهم وقت

ميزانية حملة المرشح لا تتجاوز 900 ريال. لأن شروط الترشح تنطبق عليه، وباب الترشيحات مفتوح، ولأن أحد أصدقائه في جلسة البلوت اقترح عليه الترشح، فقد قرر بعد تناول ساندوتيش كبدة من كفتيريا القريّات صباح يوم ما أن يدخل السباق. ربما يكتسب علاقات وصداقات من خلال الغرفة التجارية تختصر عليه مشوار الكدح والمشاريع وتدخله في ليلة ما نادي الأثرياء!

هل جميع المرشحين أهدافهم شخصية؟

ليس بالضرورة، أنا فقط لا أرى هناك منطق ولا تبرير لصرف الملايين على حملات تسويقية لانتخابات غير مؤثرة كهذه إلا إذا كانت الأهداف بالأساس شخصية بحتة. هذه الأهداف المنطقية الشخصية التي تسعى لها كل فئة من دخول سباق انتخابات الغرف التجارية. هناك بكل تأكيد أرستقراطي وبرجوازي ورجل أعمال كادح ليس لديهم أي ذرة من الأهداف الشخصية غير خدمة الناس، في الغالب لم يصرفوا الكثير على حملاتهم، ولكن المشكلة أنه من الصعب معرفتهم وتحديدهم والحكم عليهم إلّا إذا أخذنا كلامهم ووعودهم كما هي وصدقناهم بدون أي تردد. وبالتالي، يكون جميع المرشحين كذلك وهذا غير منطقي.

بشكل عام، أؤمن أن الانتخابات شيء جيد وإيجابي ويجب أن يستمر سواءً في الغرف التجارية أو المجالس البلدية. ولكن ما يصرفه بعض المرشحين من أموال وما يطرحونه من تضخيم لأدوارهم وخططهم التي يقطعون بها لأجل إقناع الناس لانتخابهم هو أمر يستحق التوقف عنده والتفكير فيه.


تدوينات أخرى

للأعضاء عام

لا يوجد نقص في أعداد المشاركين بتعليق المشانق!

قررت يوماً -بكامل إرادتي وقواي العقلية- أن أتنازل عن حقي الأصيل في الحديث حول الأمور والتجارب التي لا تعجبني، تركت هذه المهمة في السوشل ميديا إلى باقي البشر هناك، وقد كان أحد أجمل القرارات الشخصية.

لا يوجد نقص في أعداد المشاركين بتعليق المشانق!
للأعضاء عام

في حب أبحر، ولماذا لم أنتقل إلى الرياض!

بنيت منزلي في "أبحر" قبل 12 عاماً، اخترت قطعة أرض قريبة من أطول برج في العالم، تعثّر البرج، وأظنه مات، ولكن جمال الحيّ ازداد مع السنوات

في حب أبحر، ولماذا لم أنتقل إلى الرياض!
للأعضاء عام

أفضل جهاز للقراءة الالكترونية لم يعد الكندل، أهلاً بالأنيق Palma

اعتدت كل عام أن أهدي نفسي شيئاً ما مميزاً في عيد رمضان، وهذا العام كنت محظوظاً بشدة عندما اشتريت هذا الجهاز البديع.

أفضل جهاز للقراءة الالكترونية لم يعد الكندل، أهلاً بالأنيق Palma