تخطى الى المحتوى

لا تتزوجي رائد أعمال، إنّه فخ!

لا تتزوجي رائد أعمال، إنّه فخ!

نظر إلى حال العالم مبكراً، ولم يرق له! 
منذ صغره، لا يعجبه العجب، ينتقد كل شيء، يجري في دمه التخريب، ويحاول تغيير كل شيء. لا يفهم أهله لماذا لا يترك طفلهم الغريب هذا شيئاً في مكانه!

كان موظفاً قنوعاً

مثل الآخرين، حصل على وظيفة بعد الجامعة، استقر فيها بعض الزمن، وجد أن أقرانه تزوجوا، أهله وأصدقاؤه يضغطون عليه، لا تكتمل رجولته وحياته إلا بالزواج كما يقولون. قادته أقداره إليك، وقادتك أقدارك إليه، ها أنتما ترتبطان في بدايات مسيرتكما المهنية.

تبدو الأمور جيدة حتى الآن، يعود من عمله، ويوزع باقي الوقت بين الاهتمام بك، وبين اهتماماته الشخصية والاستراحة والأصدقاء. لا تعيشان في جو متوتر، ولا يوجد قلق من عدم وجود مال نهاية الشهر، دخلكما الشهري يكفي لحياتكما البسيطة.

مسيرته المهنية المستقبلية تبدو واعدة، كل ما عليه عمله هو الاستمرار في مساره، تطوير مهاراته، بناء علاقات جيّدة، المثابرة والعطاء، الانتقال إلى وظائف أفضل في أماكن مختلفة، وسيصل بعد أعوام لمناصب متقدمة، سيمتلك منزلاً، وراتبه التقاعدي سيكفي للعيش على نحو مريح باقي عمره.

ثم انتكس، وقرر أن يصبح رائد أعمال

كانت حياتهما تسير على نحو طبيعي، حتى ذلك اليوم الذي قرر فيه تعيس الحظ أن يصبح ثرياً. تكونت لديه صورة عما يود أن يكون في المستقبل، رجل أعمال ثري، مثل أولئك الأثرياء الذين يرى صورهم في كل مكان، ربط تعريفه الشخصي للنجاح بصورهم وما حققوه من ثراء.

تيقّن أن الوظيفة توفر الاستقرار المالي والأمان، ولكنها لا تصنع ثروة. عرف أنّ أحد أقصر الطرق زمنياً لصنع الثروة هو عبر بناء شركة ناشئة تنمو بسرعة، تضاعف دخله الشهري إلى حد بعيد، أو تهبط عليه الثروة عندما يتخارج منها.

برقت في ذهنه فكرة يعتقد أنّه لم يسبق أن قدّمها أحد، أو أنه قدّمها بأسلوب تعيس، فقرر بكامل قواه العقلية أن يترك وظيفته لبناء شركته وتحقيق حلمه.

فاتحكِ في الأمر، اتضح لكِ من حماسه أنّه لن يتراجع عن قراره، أقنعك بصورة حياتكما الوردية بعد نجاحه المؤكد، الأموال والمنازل والرحلات والاطمئنان المالي الأبدي. كان صادقاً في أحلامه، ثقته أقنعتكِ بدعمه وتأييده، وبسبب سذاجتكما المتناهية لم تناقشنا تفاصيل تأثير ذلك على حياتكما الزوجية، لجهلكما بما سيحصل، أو أن إغراء النجاح المأمول أعمى بصيرتكما.

لقد وقعتما في الفخ

لم يكن يعلم أن العمل على بناء شركة ناشئة، وهو توا بدأ بناء حياته الزوجية، هو ضرب من الانتحار، مثل من يتدرب على تحقيق الميدالية الذهبية في سباق 100م الأولمبياد القادم، وفي الوقت نفسه يبدأ دراسة الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي.

بعد فترة من قراره التاريخي ذلك، بشهور أو سنوات، بحسب صبرك وسعة صدرك وقوة ملاحظتك، تلاحظين أنّ حلمه ومشروعه أصبح كل شيء في حياته، وأنّك أصبحتِ مشروعه الجانبي.

وأنتِ بالتأكيد لا ترضين أن تكوني مشروعاً جانبياً لأحد، كنتِ تتوقعين عندما تزوجتيه أن يجعلك محور كونه، أميرة قلبه، يحملك على أكف الراحة، ويمنحك من الانتباه والاهتمام ما هو حق لك. قطع لك الوعود، وهو صادق، رفع سقف التوقعات أيام فترة العسل، كان ذلك قبل أن يقرر خوض غمار مشروعه الحلم.

شجار على أمور تافهة لا تستحق الخلاف، احتجاجات من تكرار تأخره في العمل، تبرّم من نسيانه لواجباته، لفتاته الشاعرية أصبحت من الماضي، إذا حضر بجسده يبدو كالتائه غائب الذهن والروح.

تتراكم الأمور حتى تشعري بأنك اخترتِ الشخص الخطأ، إنه يحب ويقدّم عمله وحلمه عليك. تحاولين إصلاح الوضع من طرفك، تكاشفينه وتناقشينه، تصبرين لعلّه يتغير، ولكن دون جدوى! والآن؛ أصبح خيار الضغط على زر القنبلة النووية هو الخيار المنطقي بالنسبة إليك، فهذه ليست حياة.

نمط حياة رائد الأعمال الطبيعي

يؤسفني أنه لم يخبرك أحد من قبل أنّ نمط حياة رائد الأعمال ليس نمط حياة معزز للحياة الزوجية الجيدة. ساعات العمل الطويلة، الضغط الشديد، التوتر والقلق، عدم الفصل بين الحدود الشخصية والمهنية، كلها أمور محفزة لتفاقم المشكلات الزوجية وتدميرها.

معدلات طلاق رواد الأعمال مرتفعة على نحو ظاهر، ما يقرب من 50% منهم يعيشون ”حياة رومانسية سيئة“، 50% مصابون بالقلق، 20% مصابين بالاكتئاب. طبيعي ألا تكون حياة رواد الأعمال الزوجية أحسن حياة في العالم.

يستيقظ وهو لم يشبع نوماً، بصعوبة يبتسم للحياة، أمامه يوم طويل من صراع الإبقاء على حلمه وشركته على قيد الحياة. يودّعك أغلب الأيام بلا حضن أو قبلات، من النادر أن يتصل بك وقت العمل للاطمئنان، وعندما يعود بعد يوم عمل طويل، يعود جسداً بلا روح ولا تركيز. يرمي شماغه على أقرب شيء، يستبدل ثوبه بقميص المنزل الذي لم يستبدله منذ قرن. بعد تناول وجبة سريعة، يعود ليحتضن حاسوبه بدلاً من أن يحتضنك، عليه أن ينهي بعض الرسائل والمهام الضرورية كما يقول، يغيب لساعات أخرى في العمل بعد العمل. تعتادين ذلك أيام الأسبوع، متوقعةً أن تكون إجازة نهاية الأسبوع استراحة محارب، يعود فيها لكِ، ولكنه وإن جاملك جسداً، تستشعرين بأنه غير حاضر لك. تمنين نفسك بأنكم ستقضون إجازة صيف تعوض كل ذلك، يتفاجأ حينما تسألينه عن خططه للصيف؟ تواً ينتبه أن العام الدراسي انقضى، وأن العالم سيذهبون للإجازة، حلمه سينهار لو ذهب في إجازة مطولة، هكذا يظن.

يصل بك الشك أن ما يشغل باله هو علاقة أخرى، لا يمكن أن يتغير الإنسان بهذا الشكل، بسبب مشروع ما. لا تعلمين أنّه تحت ضغط نفسي لا يكاد يحتمله بشر، لم يكن يتخيل حجم المصاعب والتحديات التي سيواجهها في طريق بناء حلمه، توقع أن مرحلة ما قبل النزول للسوق ستكون أسهل وأقصر مما حدث، وعندما نزل السوق اكتشف أن معظم افتراضاته حول قبول السوق لمشروعه ثبت فشلها، والآن عليه تعديل فكرته جذرياً حتى يجد حلاً، وعليه أن يطرق أبواب المستثمرين وصناديق الاستثمار ليقنعهم بجدوى الاستثمار معه، وفوق ذلك عليه أن يقلّص المصاريف والرواتب حتى تكفي أطول مدة ممكنة قبل حصد الاستثمار، يقع تحت كل تلك الضغوط، وهو يستشعر كارثة مغادرة الموظفين الأكفاء؛ بسبب اختطافهم من منافسين، أو تبخر إيمانهم بالمشروع.

الصناديد لا يبوحون بشيء

لا يكاد يبوح لك بشيء، فالبوح عند الصناديد من العيب. لا يتوقع أصلاً أن تفهمي ما يواجهه، كيف تفهمين، وأنتِ لم تخوضي من قبل تجربة مشابهة؟ هل تريدينه أن يعترف لك بأنّه يتمنى لو لم يستقل من عمله، ويدخل هذا الكابوس؟

من صفات هؤلاء الحمقى الذين يريدون تغيير العالم، وصناعة الثروة من العدم، شدة الاعتزاز بأنفسهم. آخر شيء مستعد يعترف به أمامك أو أمام أي شخص آخر، هو أنّه لا يعلم ماذا يفعل! وأنّه في ورطة لا يكاد يرى مخرجاً منها.

يشعر بثقل المسؤولية، اهتزت ثقته بنفسه، اكتشف أنّه ليس بذلك الذكاء كما كان يظن، يشعر بالمسؤولية كذلك أمامك وأمام الأحلام التي رسمها لك عندما قرر الاستقالة من مسيرته المهنية المستقرة، ويستشعر المسؤولية أمام أقرانه وأقاربه وأصدقائه، وأمام العالم الذي يعتقد أنهم يراقبون تحركاته، وأمام موظفيه الذين ينتظرون خططه وتوجيهاته، وأمام المستثمرين الذين وثقوا به، ومنحوه أموالهم ليضاعفها.
تتراكم فوق كتفيه جبالاً من الشعور بالمسؤولية، ولا يبوح لأحد.

حتى متى؟

إذا كانت معظم الشركات الناشئة تفشل وتموت في أول ثلاث سنوات، فهذا يعني أنه لن يكون أحسن زوج في العالم ثلاث سنوات + سنتين تتلوها للتعافي = 5 سنوات. بعدها سيعود إلى وظيفة في مكان ما، ويبدأ بإصلاح حياته الزوجية إذا استطاع.

أما إذا تجاوزت شركته وادي الموت، نجحت في مرحلة الموائمة بين المنتج والسوق، وبدأت تنمو، فنحن نتكلم عن 7-10 سنوات حتى يستريح. والمفارقة هي أنه كلما تقدمت الشركة وكبرت، كلما زادت الضغوط والتحديات والتوتر، لأنّه أصبح أقرب للتخارج وتحقيق حلم الثراء، لذلك كل تركيزه موجهاً لمشروعه، ولا شيء غيره، وهذا يعني أن تدهور حياته الزوجية مرتبط مع سرعة ونجاح نمو شركته.

مفترق الطرق وساعة الاختيار

خلال فترة البناء والضغوط، تجدين نفسك أمام خيارين:

  • الانفصال: خيار طبيعي، هذه ليست حياة صحية، وليس ما اُتُّفِق عليه، من الظلم أن تضحي بخمس سنوات، وربما أكثر، تتحملين فيها مسؤولية تربية الأطفال والمنزل، وكل شيء، في الوقت الذي يطارد فيه ذلك التعيس حلمه الكبير، ويمنحه كل ذرة اهتمام. المشكلة هنا هي أن سعيك للانفصال، وهو يخوض معركته هذه، ستتسبب ربما في فشل مشروعه، لأن آخر ما كان ينتظره هو انفتاح جبهة جديدة عليه، وأي جبهة!
  • الدعم والمساندة: تشاركينه الحلم، تدعّمين ثقته بنفسه، تؤمنين به وبقدراته على تجاوز المصاعب كلها، تضحين كذلك فتتولين كل المسؤوليات الأخرى حتى يتفرّغ للتركيز على مشروعه. مثلما يضحي هو براحته وصحته وشعوره بالأمان، تضحين مؤقتاً بحياة زوجية مثالية كما ترينها في منازل أخرى وكتب وأفلام.

الشيء الجيّد هو أنّه إذا نجح، واستقرت الأوضاع، فسيصبح لديكما من الثراء ما يكفي لتمسحا به دموع الألم، وتعالجان به أوجاع الليالي والندوب. لن تشفيا بالكامل من أهوال التجربة، ولكن لذة النجاح ستعوض الكثير مما مر بعلاقتكما من مصاعب.

لا تخيريه، فيختار حلمه

حياة رائد الأعمال الزوجية وقت بناء شركته أبعد ما تكون عن الحياة الرائعة، سيكون مقصراً معظم الوقت، غائباً معظم الوقت، منهكاً ومشتتاً وقلقاً معظم الوقت، وهذا ينعكس على دوره كشريك حياة مثالي.
فإن رُزِق بشريكة حياة تسانده، تدعمه وتتحمّل وضعه لأنها ترى نفسها شريكةً في حلمه، فهذا سيكون أعظم سبب لنجاحهما بعد توفيق الله.
وإن كانت ترى أن حلمه مهما كان، لا يستحق أن تتنازل عن حقوقها من الاقتران برجل حاضر في حياتها، كما يجب وتتوقع، فمن حقها أن تخيّره بين حلمه وحياة زوجية مستقرة.
في أغلب الظن سيختار حلمه مهما كان يحبها، فهذا الأحمق يعتقد أن الحياة لا تستحق أن تُعاش إن لم يخض تجربة تحقيق أحلامه، وهو على حق.

تعليقات

أحدث التدوينات

للأعضاء عام

النشرة البريدية (14) - في المنتصف، حين يكون الإنسان عاديًا، ربما تكون الجنة

للأعضاء عام

النشرة البريدية (13) - إلى حفل أقرأ ولقاء عبد الرزاق قرنح

للأعضاء عام

لا تتزوجي رائد أعمال، إنّه فخ!

للأعضاء عام

النشرة البريدية (12) - آثار نهايات الصداقة المسكوت عنها

للأعضاء عام

النشرة البريدية (11) - تماسكوا يا رفاق

للأعضاء عام

النشرة البريدية (10) - الهروب من الجنّة

للأعضاء عام

لا تجعل التجارب السيئة تغيّرك، فتصبح مثلهم

للأعضاء عام

النشرة البريدية (9) - وقل اعملوا

للأعضاء عام

النشرة البريدية (8)

للأعضاء عام

النشرة البريدية (7)