مُسْفِر و صالِحة و عَلْوة، لمَّا دعا في الرّكب داعي الفِرَاقْ
مُسْفِر: اسم علم مذكر عربي. معناه: الكاشف، المضيء المعلن. من الفعل أسفرَ: كشفَ عن وجهه. وأسفرَ الصباح: أضاءَ.
صالِحة: اسم علم مؤنث عربي. معناه: المستقيمة المؤدية واجبها، النعمة الوفيرة، الخيّرة أو الطيّبة.
عَلْوة: اسم علم مؤنث عربي. معناه: التلّ، الارتفاع لمرة واحدة، الطلعة. من العلوّ وهو الارتفاع.
و مُسْفِر بن عبدالله آل فرحان الغامدي هو ابن عمي (75 عام)، وفي مقام العم. تزوج مسفر قبل حوالي 45 عام من صالحة آل مزهود الغامدي (65 عام). لم يرزقهما الله بذرية، ولكن رزقهما القبول والقناعة والرضا ومحبة الناس.
لا يمكنك أن تلتقي أبو عبدالله (كما يناديه الجميع) وتجلس معه إلا واستمتعت برفقته. مبتسم، وسيع الصدر، سمح ومتسامح، قريب بشدة من أبناء وبنات إخوته وأخواته، يعاملهم ويعاملونه كأب لهم. ضحكاته تدخل الفرح للقلوب عنوةً، وقسمات وجهه المتبسم دائماً تشعرك بأن الدنيا بخير.
في طفولتنا كنا نرى الكبار جاديّن للغاية ونخشاهم، إلّا عمّنا مسفر. كان يحب ملاطفتنا والضحك واللعب معنا ولا نخشى التقرّب منه واللعب معه. مسفر يحب الأطفال بشكل واضح واستثنائي، وزّع حبّه على جميع أطفال العائلة بدون استثناء. كلما يخطر أبو عبدالله في بالي فإنني أتذكره فوراً بنفس الصورة ونفس الملامح التي تحتل ذاكرتي منذ طفولتنا. نفس الوجه الكاشف، المضيء الوضّاء. تقدّم في السن ولكن روحه الطيّبة والوديعة لم تتغير.
تحمل ذكرياتي لصالحة نفس الصورة التي أحملها تجاه مسفر، حب الأطفال والطيبة والرحمة وحسن التعامل.
رزقت ابنة عمي علوة بنت عبدالله آل فرحان الغامدي (أخت مسفر) بعدد من الأبناء والبنات، واتفقت مع مسفر و صالحة أن تنشأ أحد بناتها معهما في الرياض، ويشرفان على تربيتها حتى الزواج، وهو ما حصل. ارتبطت علوة بصداقة خاصة مع أخيها مسفر وزوجته صالحة.
قبل حوالي خمسة شهور أصبت بكورونا، وخرجت منها بنعمة الله سليماً معافى.
وقبل شهرين دخل المستشفى بسبب كورونا: علوة، وأخيها مسفر، وزوجته صالحة. ثلاثتهم دخلوا العناية المركّزة في ثلاث مستشفيات مختلفة، ولم يعلم أي منهم بأن الآخرين دخلا كذلك المستشفى.
قبل حوالي شهر توفيت علوة، ولم يعلما صالحة و مسفر بوفاتها.
فجر اليوم توفيت صالحة، وتم دفنها بعد صلاة العصر، ولم يعلم مسفر بوفاة أخته وزوجته.
مغرب اليوم وبعد دفن صالحة بساعة، تدهورت حالة مسفر الصحية وتوفي نفس يوم وفاة زوجته.
يبدو لي هناك حكمة ربانية في قصة وفاتهم، قلت بأنهم لم يكونوا يعلمون عن ظروف بعضهم منذ إصابتهم، ربما كفاهم الله برحمته من الحزن والوجع على فقدان بعضهم البعض؟ من يعلم؟ المؤكد أن أحبتهم في حاجة لكثير من الوقت لتقبل وجع فقدانهم. فليربط الله على قلوب الجميع.
رحمة الله على أحبتنا، أثروا حياتنا بقصة صداقة وحب نثروه في حياتنا وحياة كل من عرفهم، نحتسبهم عند الله شهداء ضحايا لهذه الجائحة. إنا لله وإنا إليه لراجعون.