في عصر نظام التفاهة، لا عاصم اليوم يمنع رؤية تجليّاتها في كل مكان من حولنا
يحصل أن يمر بك نص صادم من كتاب، يحتلّ فوراً مكان استثنائي في ذاكرتك لفترة لا بأس بها، تسترجعه بشكل شبه يومي بدون قصد عند رؤية شيء ذو علاقة به. هذا ما يحصل لي من فترة بعدما وقعت عيناي على نهاية مقدمة كتاب “نظام التفاهة” لمؤلفه الكندي آلان دونو وترجمة د. مشاعل عبدالعزيز الهاجري.
كتبت د. مشاعل مقدمة من 60 صفحة، وهي مقدمة رائعة بالفعل لكتاب لم أجده سهل القراءة. تقول المترجمة في نهاية مقدمتها وبعدما تعرضت لأصناف وأنواع التفاهة المسيطرة اليوم على جوانب الحياة المختلفة، ودلالاتها التي نحتك بها ونشاهدها بشكل مستمر:
قد لا يصدّق أحدٌ ما أقوله، ولكنني أؤكد لذوي الرأي الحر، المخالف/المختلف، المُعلن: إلى أن تنتهي هذه المرحلة، لا يوجد دعم، أياً ما كان وزنه، يمكنه أن يحميك من عذابات الحياة اليومية التي تتطلب احتكاكاً - على متسوى التفاصيل - مع التافهين وضيقي الأفق. كل اتصال اجتماعي، كل اجتماع عمل، كل معاملة رسمية، كل مشوار للسوق، بل وكل توقف قصير في إشارة المرور، سوف يحمل معه تحدياً حقيقياً، أنت فدائيون.
ليس هناك شك أننا على المستوى العالمي نعيش مرحلة عز مجد سيطرة التفاهة والتافهين على مفاصل الحياة. لا يكاد يكون هناك مجال عام إلا وقد رضخ لرؤية أباطرة التفاهة ويسير بحسب القوانين التي وضعوها. يناقش الكتاب كافة المجالات العامة، ويشرح التحولات التي حصلت والواقع اليوم الذي يؤكد رؤية المؤلف ولا أجد فيها مبالغة وسوداوية.
ترى د. مشاعل أن من يتفتق ذهنه على هذا الواقع، سيجد معاناه في تجاهل تجليّات التفاهة أمام عينيه ومن حوله في حياته اليومية. وأنّه لا عاصم ولا دعم له حتى تنجلي مرحلة سيطرة التفاهة التي نعيشها، ويعود للعالم شيء من العقل. في غالب الظن، للأسف لن نعيش حتى نرى انحسار التفاهة وتقهقر سيطرتها على جوانب الحياة. فعلى كل من ينصدم بهذه الحقيقة أن يبتكر من الحلول ما يساعده على تجنب الاستسلام والتحول ليصبح مجرّد تافه آخر..