تخطى الى المحتوى

لحظة الحقيقة: لماذا استقال جرّاح المخ والأعصاب هذا من عمله؟

فؤاد الفرحان
فؤاد الفرحان
لحظة الحقيقة: لماذا استقال جرّاح المخ والأعصاب هذا من عمله؟

هناك فرق بين شخص يستقيل من عمله لأنه فقد الشغف والرغبة في العطاء، وبين شخص يستقيل من عمله لأنه تيقّن بأن عمله يتصادم مع مبادئه وأخلاقه. الأول ممكن يرتكب حماقة إن استقال بدون خطة ب، أمّا الثاني فهو نموذج يستحق الاحترام، واستقالته منطقية.

أعرّفكم يا كرام على د. جوبي Goobie، جرّاح مخ وأعصاب في الأربعين من العمر، متخرّج من MIT، أحد أرقى جامعات العالم، قضى ست سنوات في دراسة تخصصه، ونحو عشر سنوات في ممارسة أحد أدق أنواع الجراحات وأخطرها.

نشر جوبي مؤخراً فيديو طويل لافت، يشرح فيه سبب استقالته من مهنته قبل عام، ترك كل شيء فجأةً، وهرب إلى الجبال بحثاً عن الطبيعة والهدوء والتأمّل. واجه معضلةً أخلاقية لم يجد لها حلاً، ففضل الاستقالة على أن يبقى في صراع مع ذاته وأخلاقه.

بعد طول تردد وصراع مع الذات، تيقّن جوبي من عدم جدوى معظم عمليات الأعصاب الخاصة بالظهر التي يجريها الأطباء وهو منهم. يأتي لهم المريض يشتكي من الآلام، ثم يجرون عليه عملية جراحية دقيقة ربما تخفف ألمه لبعض الوقت، ولكن تعود الالتهابات والأوجاع مجدداً.

يشبّه جوبي ما يحصل بأنه لو كان لديك تهريب في سقف المنزل، وهذا التهريب يتسبب في تسرّب المياه إلى الجدران والأرضيات، فتأتي بمهندس لترميم الأراضي والجدران، وإعادة صبغها وتجميلها. يبدو كل شيء جميلاً لفترة، ثم تهترئ الجدران مجدداً بعد مدة لأن التسريب والخلل ما زال موجوداً. حتى الآن لم ينجح الطب في إقناع المخ بالتعامل مع عمليات الأعصاب بشيء من القبول العضوي.

اكتشف جوبي أنه عندما يغير مرضاه نمط حياتهم، تتحسن حالاتهم، وتختفي الآلام تدريجياً، ويتراجع كثير منهم عن إجراء العملية. الجامع بينهم هو: التقليل من الملح في الطعام، الأكل النباتي الصحي (التخفيف من اللحوم)، النوم العميق المطول، إحاطة نفسهم بحياة اجتماعية إيجابية مع العائلة والأصدقاء، التخلّص من المؤثرات النفسية التي أرهقتهم.

هذا التغيير في نمط الحياة، بحسب كلام د. قوبي، جعل معظم مرضاه لا يحتاجون إلى العمليات. ولكنه إذا توقف عن إجراء العمليات، فسيخسر المستشفى المال، ويخسر هو وظيفته مع الوقت. أصبح من الواضح لديه أن سبب إجراء العمليات التي كان يقوم بها هو جني المال، وليس شفاء المرضى على الدوام، فهي لا تحقق ذلك. وهنا كانت معضلته الأخلاقية التي استمرت كما يقول نحو تسع سنوات! طبعاً لا يقصد أن الحالات كلها كذلك، ولكن معظمها لا تستحق الجراحة لو غير المريض نمط حياته.

شهد غوبي معركة محتدمة بين عقله وجسده وروحه، أوصلته لاستشعار حجم مهول من التعاسة لشعوره بالنفاق. خشي أن يدخل في انهيار يوصله لحافّة الموت مبكراً، فقرر الاستقالة بعد إعطاء المستشفى بضعة شهور من الزمن للعثور على طبيب آخر. لا يرى حالته كحالة كلاسيكية لأزمة منتصف العمر، بل يرى الأزمة هي ما كان يعيشه في سنواته التسع بإجراء جراحات الأعصاب رغم عدم قناعته بجدواها.

حالياً يعيش جرّاح المخ والأعصاب الماهر المتخرجّ من أرقى الجامعات بين الجبال، فترة مؤقتة كما يقول للعودة إلى ملامسة الطبيعة والحياة، قبل اكتشاف ماذا سيفعل بعدها، وأي مجال وظيفي سينضم إليه في المستقبل.

من الجميل أن يراجع المرء بين حين وآخر وضعه، وأن يقيّم ذاته وجهده ومجال عمله. إذا كان مجال عمله لا يتصادم مع قيمه ومبادئه، فيمكنه تقبّل التحديات والضغوط والاستمرار في عمله، أو الانتقال إلى مجال آخر بعد التخطيط.   أمّا إن كان يشعر بالنفاق، ويخوض معركة روحية وأخلاقية صامتة، فعليه المبادرة باتخاذ القرار الجريء بالمغادرة، وكسب نفسه.

أحدث التدوينات

للأعضاء عام

النشرة البريدية (8)

للأعضاء عام

النشرة البريدية (7)

للأعضاء عام

النشرة البريدية (6)

للأعضاء عام

لحظة الحقيقة: لماذا استقال جرّاح المخ والأعصاب هذا من عمله؟

للأعضاء عام

العودة من نيوزلندا

للأعضاء عام

رحلة نيوزلندا (11) - يونيو 2024

للأعضاء عام

رحلة نيوزلندا (10) - يونيو 2024

للأعضاء عام

رحلة نيوزلندا (9) - يونيو 2024

للأعضاء عام

رحلة نيوزلندا (8) - يونيو 2024

للأعضاء عام

رحلة نيوزلندا (7) - يونيو 2024