رحلة نيوزلندا (6) - يونيو 2024
بعد رحلة طويلة استمرّت 6 ساعات بالسيارة، وصلنا إلى العاصمة Wellington، ومنها انتقلنا فوراً بالعبارة ومعنا مركبتنا، في رحلة بحرية 4 ساعات ونصف إلى أول بلدة في الجزيرة الجنوبية وهي Picton.
في الطريق حصل لنا حادث بسيط، حيث كنت أحاول أتجاوز بعض المركبات في المطر، وإذا بسيارة منطلقة بسرعة الصاروخ قادمة من الخلف لم أرها، استطاع قائدها تجاوزنا بصعوبة، ولكن احتك بمقدمة السيارة.
توقف في الأمام وتوقفت خلفه، نزل من مركبته مشتاطاً من الغضب، قال لي: "أتمنى أن يكون لديك تأميناً!"، قلت له نعم بالتأكيد. نظرنا إلى جانب سيارته الأيسر فإذا هناك خدوش بسيطة أزالت بعض الطلاء، ونفس الشيء مع سيارتي.
طلب مني رخصة القيادة، صورها وأخذ صورة للوحة السيارة، وأعطاني كرت شخصي فيه معلومات التواصل، وقال لي: "راسلني عندما تصل إلى وجهتك". راسلته بعد الوصول، وحتى الآن لم يرد، ولست متأكداً عن الخطوة التالية من قبله.
نزلنا في هذه الشقة الفاخرة على الشاطئ يوماً وليلة للاستراحة بعد الرحلة الطويلة، Picton هي بلدة يقطنها 5000 نسمة، فيها مكتبة عامة، ومتجري كتب، وعدد قليل من المطاعم والمقاهي يمكن عدها بسهولة. تناولنا العشاء في مطعم هندي، وكان مذاقه رائعاً.
في الصباح أخذنا جولة كروز على قارب خاص صغير مرّ بنا على الشواطئ والجزر الصغيرة.
لفت انتباهي مناظر خلّابة لمنازل وسط غابة جبلية مطلّة على البحر في أحد الجزر. قال لي البحّار إنَّ مجلس البلدة منح هذه الأراضي إلى بعض الجنود النيوزيلنديين العائدين من الحرب العالمية الثانية لغرض استصلاحها زراعياً. ولكن اتضح أن الجدوى الاقتصادية من الزراعة في هذه الأماكن غير مجدية، فتم الموافقة على تحويلها لتكون منازل سكنية.
انطلقت مشاركة نيوزلندا في الحرب العالمية الثانية بعد كلمة رئيس وزرائهم الشهيرة التي قال فيها:
"بامتنان إلى الماضي، وثقة في المستقبل، نرتب صفوفنا إلى جانب بريطانيا دون خوف، حيث تذهب، نذهب! حيث تقف، نقف!"
أغلب هذه المنازل اليوم يمتلكها أحفاد أولئك الجنود، ومن النادر أن يعرضوها للبيع، نظراً لفخرهم الشديد بأجدادهم. أما العوائل التي لم يكن لديهم أبناء، فقد منحوا أراضيهم لجمعية خيرية مشهورة في هذه البلدة الصغيرة.
وهذه الجمعية لها نشاط وحيد، وهو إقامة مخيمات وأنشطة لتهذيب الشباب وتعليهم مهارات الحياة والرجولة!
بالصدفة رأينا قارباً شراعياً كبيراً، يجدّف فيها عشرات الشباب والمراهقين وسط البرد القارس، يقول البحّار إنهم في الغالب شباب خرجوا من السجون، أو لديهم مشكلات سلوكية، وتم ضمهم للبرنامج لإعادة تأهيلهم.
راقت لي جداً فكرة أن بلدة صغيرة كهذه، لديها كل هذه الأمور.
اليوم سنتجه إلى مدينة Christchurch التي تبعد أقل من 5 ساعات بالسيارة، حيث سنقضي فيها 3 أيام بإذن الله.