صراع الجبابرة: ترامب وماسك في حلبة الأنا المشتعلة، ماذا يمكن أن يتعلّمه الشركاء المؤسسين!

أتابع هذه الأيام مسلسل صراع الأباطرة دونالد ترامب و إيلون ماسك. تحالف المصالح هذا الذي وُقِّع في أحد أقبية الجحيم، حقق هدفه الظاهر بنجاح ساحق، مع وصول ترامب إلى سدة حكم البيت الأبيض.
في الحياة العامة، في العائلة، في الشركات، وفي المشاريع، لا يمكن للشركاء الوصول لأهدافهم بنجاح، إلّا إذا اتفقوا على أن القيادة والكلمة الأخيرة والظهور هو لشخص واحد بينهم. يمكن للقائد أن يحيط نفسه بما يشاء من شركاء واستشاريين ومستثمرين، يستشيرهم ويشاركهم، ويعملون على تحقيق الأهداف التي يتفق عليها معهم، ولكن في نهاية المطاف يجب على الجميع أن يعلم ويعمل على أن هناك قائد واحد يتخذ القرارات الكبرى، ولا ينازعه أحد بينهم في الظهور العام.
في مجال الأعمال، ولا سيما في مجال الشركات الناشئة، يعد التناغم والتفاهم بين الشركاء المؤسسين أحد أهم العناصر التي ترفع احتمالية نجاح ونمو شركتهم. وهذا التفاهم يعني أن عليهم وضع هوياتهم كشركاء مؤسسين على جنب وتناسيها، والاتفاق على ترسيخ مكانة شريكهم الرئيس التنفيذي أمام الموظفين والمستثمرين والشركاء والإعلام والسوق ككل.
عندما يكون هناك احتياج لظهور إعلامي للشركة، فالأصل أن يكون الرئيس التنفيذي هو من يظهر، يتحدث في الصحافة والإعلام وحوارات البودكاست وغيرها. هو من يتحدث سواءً عند سرد تاريخ تأسيسها ومسيرتها، أو عند الحديث عن خططها الحالية والمستقبلية. أحياناً يتسبب الظهور الإعلامي لشركاء آخرين في سرد قصة وتحليل وأحداث تختلف عما يطرحه الرئيس التنفيذي، ويكون ذلك، بسبب غفلة أو ضعف تحليل، أو بسبب اختلاف في الآراء بين المؤسسين، وهذا يتسبب في هز الثقة في استقرار الشركة، وفي صورة الرئيس التنفيذي.
يمكن للشركاء المؤسسين وكبار التنفيذيين الظهور والمشاركة العامة بالتأكيد، ولكن للحديث عن أمور جانبية وفنية تعكس أدوارهم كجزء من فريق العمل، تحت قيادة شريكهم الرئيس.
ولكن ليس كل الشركاء المؤسسين لديهم القدرة على ضبط “الأنا” وتحجيم غرورهم، خاصةً في المراحل التأسيسية، عندما تكون الأحلام كبرى، والشعور الإيجابي هو السائد، ولا في مراحل النمو المتصاعد، حيث تحدثهم أنفسهم بضرورة تسجيلهم ظهوراً عاماً، يظنون أنهم سيحصدون منه التقدير والاعتراف بإنجازهم الشخصي.
نشاهد هذه التصرفات غالباً عند الشباب الذين تنقصهم الخبرة والتجارب السابقة وفهم الأمور النفسية.
وفي حالة ترامب-ماسك، كلا الشخصين مخضرمين في عالم الأعمال والحضور العام، وقد كان من المتوقع أن يكون لدى ماسك ما يكفي من الحنكة لأن يختفي من المشهد السياسي، بعد نجاحه في إيصال ترامب للرئاسة، أو تأدية دور جانبي، لا يجذب الأضواء والمشكلات. كان متوقعاً أن يعود إلى التركيز في حياة الأعمال، وأن يترك فضاء السياسة لترامب وفريقه، ولكن يبدو أن طموحه الشخصي لم يكن ينتهي عند الهدف الذي تحقق، مثل هذه الكائنات لديها من الأنا والغرور ما يكفي لتوزيعه على سكان العالم كافة، وليس من السهل عليها أن تختفي من المشهد، وأن تكتم غرورها وأناها، وتكتفي بلعب أدوار جانبية مساندة.
وها نحن أمام صراع علني ممتع بينهما، جعل تحالفهما يتسارع في الاتجاه إلى نهاية مأساوية لأحدهما -إن استمر-، وفي الغالب سيكون العبقري ماسك هو الخاسر الأكبر.
هناك من يرى أنه يحق لإيلون ماسك الذي استثمر $250 مليون دولار في حملة ترامب، أن يلعب أدواراً رئيسة كبرى في وضع السياسات والتأثير، وأن على ترامب إعطائه مساحة توازي حجم الاستثمار فيه، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فعقلية ودور ومسؤولية الشريك المستثمر تختلف جذرياً عن عقلية ودور ومسؤولية الشريك القائد. تصرّفات وتصريحات ماسك تؤكد أنه يرى نفسه نداً لترامب كشريك في القيادة، وليس شريكاً مستثمر، خاصةً عندما أعلن في لحظة غضب أن ترامب لم يمكن له أن يحلم بالوصول للرئاسة لولا استثمار ماسك فيه، وهو محق في ذلك.
ربما تكون تهديدات ترامب بالنظر في أمر ترحيل إيلون ماسك إلى موطنه الأصلي جنوب أفريقيا، هي من قفشات ترامب البديعة، ولكنها كذلك مؤشر لأنا ترمب العظمى، التي لا تقبل إلا بتركيع خصومه وخصيهم، وهو ما سيحصل مع إيلون ماسك في غالب الظن، إن لم يرعوِ عن غيه.