عن المجالات التي لم أعد أقرأ فيها، خلاصات تجاربي الشخصية تغنيني
عندما ننظر للوراء، نجد أنه كان قد تملكتنا الدهشة وتشربنا بالحماس عندما وقعنا على كتب معينة قرأناها في بدايات تكويننا الفكري.
خيالنا كان طرياً، معرفتنا لم تتكون بعد، وتجاربنا الميدانية شبه معدومة.
أتت تلك المعلومات والحكم والمعارف على أرضٍ شبه خام، فاستوطنتها لمدة لا بأس بها.
لن نجد لها ذلك التأثير لو عدنا لقراءتها اليوم من باب الفضول، وربما سنستغرب من تأثرنا بها آنذاك.
لم نتعمق حينها بالواقع بعد، لم نعاركه كما فعلنا لاحقاً، أعطتنا تلك المصادر تفسيرات وأجوبة ظننا أنها حقائق شبه نهائية.
اتضح لاحقاً أن كثير منها ليس بتلك الدقة ولا بذلك العمق.
القراءة في مجال الأعمال
تخصصي ومجالي ولقمة عيشي هي في مجال بناء الأعمال. في بدايات مشواري، لم يكن يكاد يفوتني كتاب مهم وجديد عن الشركات الناشئة والإدارة إلا وقرأته.
كانت مرحلة نهم، رغبة جامحة في اكتساب وتعلم المهارات المطلوبة وطرق التخطيط وغير ذلك من الأفكار الضرورية للنجاح في الأعمال.
ثم جرت السنين، واكتشفت أن واقع بناء الأعمال أكثر تعقيداً من الكتب، تستأنس فيه ببعض ما قرأت وشاهدت واطلعت عليه من مناهج ونصائح وتلميحات، ولكن لا يمكنك النجاح حقاً إلا إذا خرجت بخلطتك الهجينة الخاصة، تكتشف من تجاربك طريقة بناء وإدارة تناسب شخصيتك كقائد، تساعدك في تكوين فرق عمل وجلب استثمارات والوصول لأهدافك التي تسعى لها.
بعد أن وصلت لخلطتي، توقفت عن متابعة أو قراءة أي شيء جديد في هذا المجال من ناحية المنهجيات والنصائح.
وجدت أنني كلما قرأت كتاباً جديداً أو اطلعت على منهجيةً جديدة، فإنني أشعر فوراً بالأسف والفشل وضرورة الدخول في مرحلة تغيير وإصلاح في مشاريعي.
كل كتاب جديد يحصد الإعجاب ويثير الضجيج يهمس لك بأن ما تفعله خطأ وأنه لابد من التغيير، والاستماع لذلك الهمس سيقودك ومن يعمل معك للإنهاك والفشل وكره ما تعمل.
ففي نهاية الأمر، لابد أن يأتي صاحب الكتاب الجديد -حتى يبيع- بمنهجية جديدة يبشّر بها ويحاول أن يقنعك بأن تترك أسلوبك الحالي وتتبناها حتى تنجح.
وجدت أنه يكفيني ما تعلمته من الواقع وارتحت له ونجح معي. هذا الاستقرار يسمح لي ومن معي أن نواصل العطاء بهدوء، وبدون الالتفات للتوجهات الجديدة التي تظهر كل يوم، ولن تنتهي.
القراءة في مجال تطوير الذات
قرأت كذلك مبكراً ولفترة قصيرة في كتب "تطوير الذات"، كيف أدير وقتي وأصنع صداقات وأبهر الناس وأكسب المحبة، إلخ.. من تلك المهارات التي كنا نعتقد أننا نحتاج لمدربين فيها حتى نتقنها.
تعلمت من التجارب الناجحة والفاشلة في حياتي اليومية كيف أدير وقتي بطريقة تناسبني، اكتشفت ما أحب وما أكره، تعلمت كيف أصنع صداقات وأغادرها، عرّفت النجاح والفشل بالنسبة لي، حددت أهدافي بوضوح وسعيت لتحقيقها. تعلمت كل ذلك من الواقع ومخالطة الناس.
استأنست ببعض ما قرأت وإن كنت لا أكاد أذكر منه شيئاً، ولكن لم يكن هناك مفر من التجارب لكي أصنع مجدداً خلطة خاصة بي، تناسبني وأرتاح لها.
القراءة في السير الذاتية والروايات
إذا كنت توقفت عن الإطلاع ومتابعة الجديد والقراءة في مجالات الفكر والأعمال وتطوير الذات، فماذا أقرأ؟
الحقيقة أنني وجدت جوابي في السير الذاتية و الروايات.
بالنسبة للسير الذاتية، فالجيد منها هو ما يكون صريحاً، شجاعاً، يوثق عيوب المؤلف وفشله وأسراره.
كتب السير الذاتية في عالمنا العربي أغلبها لا يستحق قيمة ورقها، فلن تجد فيها إلا قصص كتبها صاحبها ليخبر العالم كم هو رائع. استعاب أن يعترف بأخطائه، وخجل من توثيقها، وسجل فقط ما ظن أنه سيرفع قيمته بين الناس.
أجد أجزاء من نفسي ومشواري في كتب السير الذاتية الجيدة، قصص ومواقف مررت بمثلها، استنتاجات وصل لها الكاتب تؤيد ما وصلت له. أرتبط مع السارد عاطفياً في أحيان كثيرة لأنه كان أكثر شجاعةً في البوح وتوثيق تجاربه وذكرياته، وهو ما لم أستطيع فعله حتى اليوم.
أما الروايات البديعة، فروعتها بالنسبة لي هي في الخيال الذي تغمسني فيه عند قراءتها.
أستغرق في بحر دهشتها أيام وربما أسابيع بحسب حجمها.
هذه الدهشة المستمرة هي ما يخفف عندي من تحديات الحياة اليومية والأعمال. ساعة أو ساعتين أهرب فيها إلى ما يشبه الاستراحة، أسبح في خيالٍ بعيد عن ضغط وتحديات العمل والحياة باقي ساعات اليوم.