الزوج الكركي
سمعت عن رواية "الزوج الكركي" من الصديق طاهر الزهراني، قرأتها في جلستين، ووجدتها بالفعل عمل فانتازي ديستوبي كئيب، مزعج كحقيقة ورائع كنص أنصح به.
تدور الرواية حول العلاقات العاطفية المؤذية، وأثرها العميق على الأطفال. ورد فيها هذا المقطع:
أخبرتْني أمِّي ذات مرة: «إنَّها لحقيقةٌ مُحزِنة عن الحبِّ الحقيقي. تحبُّني الأغنام حبًّا جمًّا، ولهذا السبب أنا قادرةٌ على التسبُّب لها في الألم. فالحبُّ هو السبيل الأقل قدرة على المقاومة، أفهمتِ عليَّ؟ يتطلَّب الأمر كثيرًا من المجهود والعناء لإيذاء شخصٍ لا يثق بك، أو يخاف منك. أو يكرهك. بينما الحبُّ يشرعُ الأبواب على مصاريعها، ويُفسِحُ الطريق لكلِّ صنوف الرُّعب والفظائع بالدخول. لذلك لا تَجفلُ الأغنام مني عندما آتيها بشيءٍ مزعج».
ثمَّ أخذَت يدي بينَ يديها، واستحالَ وجهُها جادًّا وَرَصينًا: «الأمر نفسهُ ينطبقُ عليكِ. سوفَ تفهمين كلامي هذا عندما تكبرين. سوفَ تعلمين أنَّكِ أكثر أمانًا بالقُرب من الأشخاص الذين لا تثقين بهم ولا تُحبِّينهم. إنَّ حارسَكِ في الأعلى، أتفهمينني؟ كلَّما أحببتِ شخصًا أكثر، باتَ أخطرَ عليكِ. وكلَّما أحببتِ شخصًا أكثر، كنتِ أكثر استعدادًا لإبراز حنجرتكِ له».
أعمق الأذى الذي يصيبنا، وأكثره تأثيراً وحفراً في ذاكرتنا، يكون مصدره للأسف أشخاص وضعنا ثقتنا فيهم وأحببناهم بصدق، أزواج وأقارب وأصدقاء.
يمكننا تجاوز الأذى إذا صدر من شخص بعيد أو صاحب سلطة في عمل أو غيره، ولكننا نحتاج إلى جهد مضاعف لتجاوز حجم مصيبتنا في من نحب، عندما يكونون مصدر أذى عميق لنا، قصدوا ذلك أم لم يكن بقصد منهم.
هل تتسبب هذه الحقيقة إذا اعترفنا بها في أن نتغير؟ فنكبت مشاعرنا، نقصرها ونلجمها خوفاً من أذى حب من نحب؟ نسطّح علاقاتنا بدلاً من أن نعمقها، فنحن لا نعلم من أين ستأتي الضربة القادمة؟ من أي حبيب وقريب وصديق.
لا أتخيل حياة كهذه، تكون فيها علاقاتنا بمن حولنا سطحية وباردة، فقط لأننا وصلنا لقناعة بأن تقديم الحذر أولى من الحب الذي بقدرتنا أن ننشره ونرتويه.