تخطى الى المحتوى

بعيداً عن الذكاء الاصطناعي، مع جدي وريالاته والشايب وبسكويت ريكو

فؤاد الفرحان
فؤاد الفرحان
بعيداً عن الذكاء الاصطناعي، مع جدي وريالاته والشايب وبسكويت ريكو

بعدما حاصرني اللص الفضولي وأجبرني على تغيير مسجد الحي كما ذكرت سابقاً، اكتشفت مسجداً جديداً جميلاً في الحي المجاور. يتميز هذا المسجد أن إمامه يصلّي التراويح 4 ركعاتٍ طويلة، بدلاً من 8 ركعات قصيرة كمعظم المساجد. ارتاحت نفسي لهذه الإطالة في قراءة الإمام مع قصر عدد الركعات، وقررت الاستمرار فيه حتى نهاية الشهر.

لمحت أول مرة صليت فيه رجلاً طاعناً في السن منحني الظهر، حتماً في التسعينات، يحاول مسرعاً قطع الصفوف بعد نهاية الصلاة، وبيده كيساً ممتلئ بسكويت "ريكو"، حتى يتوقف عند باب المسجد، منتظراً أن يمر عليه الأطفال وهم خارجين، فيهدي كل واحد منهم بسكويتاً.
كان يقف بجانبه طفلاً يبدو أنه حفيده، رفيقه في مشوار الذهاب للمسجد والعودة منه.

أحيا منظر الشايب وحفيده ذكريات ذهابي وأنا طفل للمسجد مع جدي فرحة آل فرحان الغامدي رحمه الله.
كنت أقود جدي إلى ومن المسجد في كل الصلوات. يمشي متوكَّأ بيمينه عكازه، ويده اليسرى تمسك بيدي. كان في نهاية التسعينات من عمره، مثل هذا الشايب، وكنت في سن هذا الطفل تقريباً.

لم يكن يخلو جيب جدي من حزمة ريالات، كان يحضرها له والدي رحمة الله عليه جديدةً دائماً من البنك.
بعد كل صلاة، كان يعطي جدي كل طفلٍ يلقاه في المسجد ريالاً جديداً.
ومع الوقت، أصبح يوزع ريالاً على كل شخص لا يلبس ثوباً، حيث كان يعتبر كل من لا يلبس ثوياً عاملاً مسكيناً.
وفي آخر عمره، أصبح يوزع ريالاً على كل إنسان يمر في طريقنا للمسجد، وكذلك نحن خارجين منه.

لم أسأله يوماً لم كان يفعل ذلك، ولكن أظنه كان يعطي الأطفال من باب المكافأة، ويعطي العمال من باب الصدقة.
كان الجميع يشكره، وكنت لصغر سني أشعر بالحرج الشديد عندما يعطي الريالات للكبار، تمنيت آنذاك لو أنه لم يكن يفعل.

قبل أيام، وبعدما انتهى الشايب الكريم من توزيع البسكويت على الأطفال، مررت به وهو على وشك المغادرة مع حفيده، طالباً بمزح حصتي، نظر لي وهش بيده وقال "ما فيه". بقي في الكيس عدد لا بأس به من البسكويت، ولكنه رفض.
انتظرت في الليلة التالية مجدداً حتى أعطى الجميع، ثم وقفت أمامه، ولكنه كسر خاطري مجدداً.
صحيح أن هناك فرق كبير في السن بيني وبين وحوش البسكويت الصغار، وأعرف أنه يمكن أن أشتري ريكو من أي بقالة بريال، ولكن نفسي تعلّقت في بسكويت الشايب.
في الليلة الثالثة لم يحضر للمسجد، تلاها ليلتين من الغياب أشعرتني بالقلق، رؤيته مع حفيده يمارسان عادتهما اللطيفة تسر خاطري.
فرحت اليوم عندما لمحته قبل إقامة الصلاة. قام بتوزيع البسكويت كعادته، ومشيت أمامه بتمهل وابتسمت، حاولت التأثير فيه بعيون بريئة، منتظراً أن يحن ،ولكنه ردّني للمرة الثالثة.

كنت أنوي الليلة أن أكتب تدوينة عن ثورة الذكاء الاصطناعي وأهم ما تابعته وقرأته حولها، ولكن وجدت ذهني مشغولاً بالشايب والبسكويت.
لم يبقى من رمضان الكثير، ولست متأكداً ما إذا كان سيرقّ قلبه في المرات القادمة. المؤكد أنه يحمل من ريح وروح جدي والذكريات ما يجعلني أستمر في المحاولة.

للأعضاء عام

لحظة الحقيقة: لماذا استقال جرّاح المخ والأعصاب هذا من عمله؟

للأعضاء عام

العودة من نيوزلندا

للأعضاء عام

رحلة نيوزلندا (11) - يونيو 2024

للأعضاء عام

رحلة نيوزلندا (10) - يونيو 2024

للأعضاء عام

رحلة نيوزلندا (9) - يونيو 2024

للأعضاء عام

رحلة نيوزلندا (8) - يونيو 2024

للأعضاء عام

رحلة نيوزلندا (7) - يونيو 2024

للأعضاء عام

رحلة نيوزلندا (6) - يونيو 2024

للأعضاء عام

رحلة نيوزلندا (5) - يونيو 2024

للأعضاء عام

رحلة نيوزلندا (4) - يونيو 2024