تخطى الى المحتوى

آل فانتي و فيلليني و طاهر، عن صدف الكتب الجميلة

2 دقائق قراءة
آل فانتي و فيلليني و طاهر، عن صدف الكتب الجميلة
جون فانتي

قابلت طاهر قبل أسبوعين في ركننا المعتاد، أغلب حديثنا يدور حول الكتب والمقالات وما وقع عليه كل واحد منا مؤخراً من روائع أو خيبات. في ثنايا الحديث، أوصى طاهر بمذكرات فيلليني، قائلاً بأن وصفه للطعام والطبخ ملفت وبديع، ويجعلك تنظر للطبخ من زوايا جديدة.

مررت بمكتبة جرير في اليوم التالي، ووقعت عيناي على "مذكرات فانتي"، قمت بالتقاطه وشرائه فوراً معتقداً بشكل خاطئ أنه الكتاب الذي أوصى به أبا أحمد. هذا اللبس والخطأ الجميل جعلني أقع على أحد أجمل المذكرات التي مرت علي هذا العام.

دان فانتي هو ابن جون فانتي، صاحب الرباعية الشهيرة، والذي لم يكتسب شهرته ويعرفه العالم إلا بعد وفاته. كان ذلك عندما سألوا تشارلز بوكوفسكي "من هو كاتبك المفضل؟" فأجاب أن جون فانتي ليس كاتبه المفضل فقط، ولكنه "بطله". وبعدها بدأ العالم يبحث عن جون فانتي، ويعيد طباعة رواياته، التي لم يكاد يقرأها أحد من قبل.

يحكي الابن دان قصة حياة عائلتهم الأمريكية الإيطالية الأصل. عائلة ابتليت بإدمان الخمر والخيبات؛ جده ووالده (الكاتب الشهير) وأخوه (الذي توفي بسببها) وهو، عانوا إدمان الخمر وسريانه في دمائهم مجرى الدم. يتكشّف دان في مذكراته ولا يكاد يبقي سراً، يسرد بأسلوب أدبي ممتع حياة سكير مخمور مدمن عاش لأجل أن يسكر. حياة بوهيمية عبثية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

يسرد كذلك محاولاته المتعددة للإقلاع والتشافي وتغيير حياته والاستقامة، قصة صراع وجودي بين المرء وشهواته. وصل للحضيض عدة مرات، كاد أن يلامس الموت فيها، وكل مرة يصرّ على التوقف والتشافي، وينجح في ذلك لفترة، ثم يعود للإدمان والهبوط للقاع مجدداً.
حمّستني مذكرات فانتي الابن أن أعود لقراءة رباعية والده العظيمة بعدما عرفت كل تلك التفاصيل العجيبة والحميمية عن حياة والده وصراعه الذاتي.

هرب جون فانتي للخمر بسبب شعوره بالتهميش، لم يستطع انتزاع اعتراف العالم بموهبته، ولم يحصل على التقدير الذي كان يعتقد -محقاً- أنه يستحقه. كلنا في حاجةٍ لشخص ينظر إلينا، يقول لنا ذلك كونديرا. ولجأ دان الابن للخمر هروباً من حياة عائلته التعيسة التي صنع تعاستها والده بإدمانه.

بعدما أنهيت مذكرات آل فانتي، بدأت مع مذكرات فيلليني. في الأسبوع الماضي، قابلت طاهر مجدداً، أحضر لي معه مذكرات فيلليني، قائلاً بأنني اقتنيت الكتاب الخطأ. حكيته عن جمال الخطأ وروعته، ووعدته بإحضار مذكرات فانتي معي في اللقاء القادم ليستمتع بها.

أجمل الأصدقاء هم أصدقاء الكتب، هناك رابط روحاني بينهم يصعب شرحه لغيرهم. أما أنفعهم، فهم أصحاب المال بالطبع..

عن الحاجة إلى التقدير والرغبة في الحصول على الاعتراف، نفسك بك أولى!
كلنا في حاجةٍ لشخص ينظر إلينا، يقول لنا ذلك كونديرا. ”الحاجة إلى التقدير” تحتلّ الدرجة الرابعة من سلّم ماسلو. ولكن ممن نرغب أن ننتزع التقدير؟ ولماذا؟ ومن يستحق فعلاً أن نجتهد لانتزاع تقديره واعترافه بجدارتنا؟

تعليقات

أحدث التدوينات

للأعضاء عام

النشرة البريدية (16) - حقائق قاسية عن النجاح

للأعضاء عام

النشرة البريدية (15) - أنت شخص سعيد، حتى لو تكن منتبه لذلك

للأعضاء عام

النشرة البريدية (14) - في المنتصف، حين يكون الإنسان عاديًا، ربما تكون الجنة

للأعضاء عام

النشرة البريدية (13) - إلى حفل أقرأ ولقاء عبد الرزاق قرنح

للأعضاء عام

لا تتزوجي رائد أعمال، إنّه فخ!

للأعضاء عام

النشرة البريدية (12) - آثار نهايات الصداقة المسكوت عنها

للأعضاء عام

النشرة البريدية (11) - تماسكوا يا رفاق

للأعضاء عام

النشرة البريدية (10) - الهروب من الجنّة

للأعضاء عام

لا تجعل التجارب السيئة تغيّرك، فتصبح مثلهم

للأعضاء عام

النشرة البريدية (9) - وقل اعملوا