تنفُّس
كل يوم منذ الأسبوع الماضي آتي هنا للواجهة البحرية بجدة لكي أتنفَّس. أمارس اليوغا ساعة، والتأمّل نصف ساعة. التنفُّس العميق ربما يكون من أفضل الهدايا التي يقدّمها المرء لنفسه.
وعلى ذكر التنفُّس، أتذكّر قصة قصيرة بديعة للأديب الروسي العظيم الكسندر سولجنتسين بنفس العنوان. حُكِم على سولجنتسين بالسجن لمدة ثماني سنوات في 1945 بتهمة “معاداة الدولة السوفياتية”، ثم بالمؤبد بعد ذلك. أعيد له الاعتبار في مطلع 1957 وحصل على جائزة نوبل للآداب عام 1970.
تنفُّس - الكسندر سولجنتسين
ينهمر المطر ليلاً، والآن تمر السحب في السماء سحابة وراء أخرى، يسّاقط المطر زخات قليلة على فترات متباعدة.
أقف تحت شجرة تفاح ذوت أوراقها وأتنفس، لا شجرة تفاح واحدة مثمرة. لكن الأعشاب تنضج بالماء بعد سقوط المطر، لا توجد كلمات تصف هذا العطر الخلاب الذي يفوح في الهواء. أستنشقه بكل رئتيّ، أشعر بأريجه في صدري، أتنفس، أتنفس، تارة وعيناي مفتوحتان، وتارة وهما مغمضتان - لا أدري على أي نحو يكون التنفس أفضل.
هي إذن، ربما، الحرية، تلك الحرية الوحيدة، لكنها الأغلى، التي تفقدنا إياها الزنازين; أن تتنفس على هذا النحو، أن تتنفس هنا. ليس هناك طعام على وجه الأرض، ولا خمر، بل ولا حتى قبلة امرأة أشهى عندي من هذا الهواء، هذا الهواء المشبع بروائح الزهور، بالندى والطزاجة.
لتكن، مجرد حديقة صغيرة تزدحم من حولها منازل متوحشة من خمسة طوابق كأنها أقفاص. سأتوقف عن سماع دويّ الدراجات النارية وطنين أجهزة المذياع، ضجيج مكبرات الصوت. وما دام المرء قادراً على التنفُّس واقفاً بعد المطر تحت شجرة، فبإمكانه أن يواصل الحياة!