المبتعث الدبشه، المبتعث التائه، أم المبتعث البطل؟ 11 نصيحة للمبتعثين والمبتعثات السعوديين
ليس من عادتي لبس عمامة الواعظ ولا (تشخيصة) الناصح. هذا الدور لا أجيده، فأنا أعرف جيداً ما ينقصني كإنسان وكل إنسان ناقص مهما كان، وكل من فوق التراب..تراب. كما أنني لا أحب لعب هذا الدور لأنني أخاف أن يستهويني فأتعود عليه وأصبح -لا سمح الله- مثل أولئك النخبويين الذين تعودوا على جلدنا ليل نهار، وقد استعذبوا ممارسة دور التوجيه والإرشاد والتفكير نيابة عنا ومصادرة عقولنا، بدون أن يجهدوا أنفسهم في محاولة زرع بذور التفكير والتعمق والتحليل والاستقلالية عندنا.
اليوم فقط سأحاول أن أجرب لعب هذا الدور لتقديم مجموعة من النصائح لإخواني وأخواتي السعوديين المبتعثين في الخارج، والذين نعول عليهم كثيراً عند عودتهم لتقديم مساهمة حقيقة فعالة في بناء هذا الوطن.
أولاً – أنواع المبتعثين والمبتعثات
المبتعث الدبشه
هذا المبتعث يعيش تجربة البعثة على أنها رحلة سياحة وفلَّة ووناسة حتى ولو لم يقل أو يعترف بذلك. اختار تخصصه لأن صديقه ربما في نفس التخصص؟، يغيب عن الحضور، لم يزر مكتبة الجامعة منذ أن وطئت قدمه الجامعة، زائر دائم للسيدة ماري التي تقيم في منزلها ومتفرغة لعمل أبحاث الطلاب العرب وواجباتهم نيابة عنهم مقابل مبلغ مادي، لم يشترك في أي نادي في الجامعة، لم يقدم أي بحث حقيقي من جهده، تناقص مخزون “المعسل” عنده يثير قلقه بشكل دائم، يحرص على الذهاب للديسكو بشكل شبه يومي. يقضي من الوقت على الفيسبوك وتويتر أكثر مما يقضي في الدراسة، وعندما يعود، يحدث أهله وأصحابه عن نعمة الإسلام والأمن والأمان وأنه لا يوجد مثل السعودية بلد، ويمارس السلخ والشماتة في المجتمع الذي كان من المفروض عليه أن ينهل من معارفه! هذا المبتعث للأسف واقف على أبو متعب وعلينا كشعب بخسارة.
المبتعث التائه
هذا المبتعث كان متديناً “مطوع” قبل الابتعاث أو أنه أصبح “مطوع” بعد الابتعاث. ليس عيب أو خطأ أن تكون “مطوع” ولا يتحسس من هذا الأمر إلَّا شخص سخيف يصادر حريَّات الناس واختيارهم لأسلوب حياتهم. ولكن المشكلة إذا كان هذا المبتعث أصيب بصدمة حضارية -بدون أن يعلم- جعلته ينكفأ على ذاته وحلقة صغيرة من الأصدقاء من الذين يشاركونه نفس التوجهات. ربما يكون وضعه الدراسي طبيعي ولا يغش ولا يعرف السيدة ماري ولا يتعامل معها، وصحيح أنه لا يهمه “المعسل” و الديسكو، ولكنه يعد أيامه في الغربة على أحر من الجمر سائلاً الله أن يخرجه من ديار الكفر وأن لا يرجعه إليها. متابع دائم لأطروحات “التغريبيين”، وكاتب انترنتي خفاشي مخضرم يحذر من الليبراليين والتغريبيين والغرب وأمريكا وبريطانيا وهو يعيش وسطهم. هذا المبتعث يعيش صدمة حضارية ويعيش حالة انقطاع تام عن المجتمع من حوله. وهذا المبتعث أيضاً واقف علينا بخسارة والله المستعان.
المبتعث الدبشه والمبتعث التائه هم نفس الشيء بالنسبة لنا كمجتمع سعودي. ويمكن تسميتهم بـ “المبتعث الخروفي” (المبتعث الخروفي : زي ما راح، زي ما جاء). الدبشه سيعود لنا بشهادة النجاح ربما، وكذلك التائه، ولكن كلاهما عاش حياة رسمها في خياله، ولم يعش التجربة كما كان يجب أن يعيشها.
المبتعث البطل
هو شاب/فتاة “مطاوعة أو ليسوا كذلك” أخلصوا في دراستهم، اندمجوا في مجتمعاتهم، رصدوا الإيجابيات هناك بعناية، اعتنقوها حتى أصبحت راسخة في وجدانهم، ثم عادوا لنا بهمم عالية يسعون لدعم عجلة الإصلاح والتغيير. المبتعث البطل بكل تأكيد مر بصدمة حضارية، ولكن هذه الصدمة دعمته وزادته قوة ولم تكسر ظهره حتى تجعله مثل المبتعث الخروفي يرى أن القبول بمجتمعنا وسلبياته على ماهو أفضل بمراحل من الإقدام بشجاعة على الإصلاح والتغيير.
ثانياً – مجموعة من النصائح
لا ترجع مثلما كنت
تغير الإنسان وأسلوب تفكيره وآراءه وطريقة تعامله مع الآخرين هو أمر ليس بالهين. الإنسان بطبعه يكره التغيير خوفاً من النتائج. والناس في العادة يرتاحون للإنسان الذي لم يتغير منذ أن عرفوه. الناس يحبون الشخص الذي لم يتغير وسوف يقولون: ”فلان، ما شاء الله عليه، سافر وتغرب ونجح ورجع لنا وما تغير، هو نفس الشخص قبل الإبتعاث وبعده”!! قبل أن تغترب كنت شخص، وعندما تعود ستكون شخصاً آخر، لأنه من الطبيعي أنك عندما تعيش في مجتمع لعدة سنوات فسوف تتأثر به إلّا إذا كنت خروفاً تسرح وتمرح لا تتأثر ولا تؤثر؟ نطلب منك أن تحاول أن تلتقط الإيجابيات وتتمسك بها وتعود وهي قد أصبحت جزءاً منك يصعب اقتلاعه. نطلب مكن أن تتغير وأن لا تكترث كثيراً برأي الناس.
اختلط وانخرط واندمج
انظر حولك! هل كل من حولك هم أصدقائك أبناء وطنك وبعض العرب والمسلمين فقط؟ إذن، وضعك غير سليم. لست سقراط ولا ابن رشد حتى تعتقد أنه بإمكانك حينما تنعزل عن المجتمع فإنك ستستطيع أن تنظر من بعيد إليه وتحلله وتلتقط إيجابياته ثم تعتنقها. لا يمكن رصد الإيجابيات إلا بالاختلاط والإندماج في المجتمع من حولك والتعامل اليومي مع أفراده. بهذه الطريقة يمكنك اكتساب الإيجابيات، أما التنظير عن بعد فهو هراء محض.
انضم لأندية الجامعة
انضمامك لاتحاد الطلاب المسلمين في جامعتك -إن فعلت- لا يحسب لأن أعضاءه في الغالب هم من أصدقائك السعوديين أو العرب والمسلمين الذين تقابلهم بشكل دائم في المسجد أو في السكن. ماذا عن النوادي ذات العلاقة بتخصصك؟ راجع موقع الجامعة وستتفاجأ بأن هناك عشرات الأندية الأكاديمية والعلمية والثقافية والترفيهية المختلفة في جامعتك. يمكنك الإنضمام لأكثر من نادي في نفس الوقت. لديك الكثير والكثير من الوقت وأنت تعرف ذلك جيداً. الإنضمام لهذه النوادي فرصة رائعة للتعرف على ثقافة المجتمع الذي تعيش فيه ومعايشته عن قرب.
انضم لجمعيات المجتمع المدني في مدينتك
لإثراء معرفتك واكتساب الإيجابيات بشكل أسرع، من الجيد أن تتعرف على الجمعيات المدنية في مدينتك. هناك بكل تأكيد جمعيات متخصصة في مجال دراستك (الحاسب، الاقتصاد، السياسة، البيئة، العمران، الإعلام، حقوق الإنسان،..). لم تتقدم المجتمعات في الغرب إلا عندما حررت مجتمعها المدني الذي هو قوام كل مجتمع حر ومستقل. بإنضمامك لها، ستتوسع مداركك وتزداد خبراتك بشكل كبير لا تتخيله الآن، وبكل تأكيد ستكون أنت إضافة متميزة لهم. صحيح أنه لا يوجد مجتمع مدني سعودي حالياً، ولكن ليس هناك شك بأنه قادم لا محالة لأنه هو الحل الوحيد ولا حل غيره. بناء المجتمع المدني واستقلاليته هو حق من حقوق أفراد أي مجتمع ووضع طبيعي لأي مجتمع يسعى للتقدم. من الرائع أن يعود إلينا آلاف الشباب والفتيات المبتعثين وقد عايشوا عن قرب لعدة سنين هذا الوضع، فيصبحوا جاهزين ليكونوا نواة لمؤسسات مجتمعنا المدني السعودي القادم.
لا تفوت المشاركة في الانتخابات القادمة
صحيح أنك لا تحمل جنسية البلد الذي تدرس فيه وأنه لا يحق لك التصويت والانتخاب. ولكن بإمكانك تقديم نفسك لفريق داعمي أحد المرشحين للانتخابات القادمة ممن تشعر بأن أفكارهم مقبولة عندك. قل لهم أنه بإمكانك مساعدتهم في الترويج للمرشح وسط الجالية العربية والمسلمة. سيرحبون بك بشدة، وسيجعلونك من ضمن فريق العمل. تجربة العمل في الانتخابات البرلمانية والرئاسية هي تجربة فريدة ورائعة وحماسية وتساعد في تنمية ثقافتك السياسية والمدنية. صحيح أيضاً أنه لا يوجد عندنا سوى انتخابات المجلس البلدي حالياً -وتم تأجيلها- ولكن ما يدريك عن الأوضاع بعد عدة سنوات من الآن؟
اكتب في صحيفة الجامعة والمدينة
إذا كان لديك مهارة كتابة المقالات فبإمكانك إرسال مقالاتك وردودك لصحيفة الجامعة والمدينة. الصحافة في الغرب مستقلة وإذا كانت مقالاتك جيدة، فصدقني أن فرصة نشرها هي فرصة لا بأس بها.
لا تتدخل في مشاكل مسجد المدينة
هل هناك مشاكل في مسجدكم بين السلفيين والإخوان والصوفية؟ هل هناك حساسية بين السعوديين/الخليجيين والعرب والأفارقة المسلمين وغيرهم؟ هل هناك مشاكل حول مكان صلاة النساء، والاختلاط في لقاء العشاء الأسبوعي أو الشهري؟ هل هناك مشاكل حول دخول رمضان والعيد؟ نصيحتي أن لا تتحزب ولا تتحيز ولا تدخل نفسك في هذه المشاكل المزمنة التي لم تحل ولن تحل في القريب العاجل بين المسلمين. اختر المسجد الذي ترتاح إليه فقط. صم مع أهل مدينتك وافطر معهم وانسى السعودية وصومها وعيدها.
قم بزيارة الكنيسة
هل ثقافتك ومعرفتك الدينية جيدة؟ قم بزيارة الكنيسة واطلب مقابلة القس. قل له بأنك ترغب أن تتاح لك الفرصة أن تتحدث أمام زوار الكنيسة في أحد الأيام حول الإسلام. للأسف أن صورة الإسلام تعرضت لتشويه رهيب في الغرب بسبب أعمال العنف والقتل وبسبب الإعلام اليميني المتطرف كذلك. بإمكانك المساهمة في تصحيح هذه الصورة عبر إلقاء كلمة أمام مجموعة ولو صغيرة في أحد الكنائس تحاول من خلالها تصحيح هذه الصورة السيئة.
اعمل ولو جرسون في مطعم الجامعة
الجامعات في الغرب تتيح فرص العمل للطلاب الأجانب فيها. جرب أن تعمل في الجامعة في أي وظيفة تجدها حتى ولو لم تكن تحتاج للمال. وإذا كان وضعك القانوني يسمح لك بالعمل خارج الجامعة فهي فرصة لا تفوتها. الاحتكاك مع الآخرين في بيئة العمل هي تجربة إنسانية رائعة ولا تقدر بثمن.
كن صادقاً.. كن أميناً
هل تؤخر فواتيرك؟ هل تهربت من دفع الشرط الجزائي الخاص بالسكن؟ هل لديك سجل مالي سيء؟ هل أسأت استغلال الكريدت كاردز؟ صحح وضعك فوراً، ستندم يوماً إن لم تفعل!
لا تنشغل بحروبنا الفارغة هنا
توقف عن متابعة المنتديات والمجموعات والمواقع السعودية المليئة بالهراء الفكري والحروب التيارية. هذه حروب لا ناقة لك فيها ولا جمل. يكفينا الغثاء العددي الرهيب الذي لا همه سوا ما قال الكاتب الفلاني والشيخ العلاني. نرجوك أن لا تنخرط أنت أيضاً في هذه المعارك الوهمية.
ثالثاً – ماهي الإيجابيات التي ستكتسبها من اندماجك في المجتمع؟
عبر اندماجك بشكل حقيقي وفعال في المجتمع ستصل في الغالب لعدة قناعات إيجابية نحتاجها في مجتمعنا السعودي ومن بينها:
المجتمع المدني هو قوام أي مجتمع متقدم. وبدون المجتمع المدني، فإن المجتمع ليس سوى مجموعة من الأفراد الذين يعيشون ليأكلوا ويشربوا منتظرين ملك الموت ليأتي ويريحهم من هذه الحياة على أمل أن يعوضهم الله بالجنة في الآخرة، متناسين أن الله استخلفهم في هذه الأرض ليحيوها!
التعددية الفكرية هي الأصل في أي مجتمع يعيش حالة صحية وطبيعية. لو كان المجتمع الذي تعيش فيه هو مجتمع شمولي يحاول إجبار أفراده على الإيمان بفكرة واحدة وأسلوب حياة وخطاب واحد فمن المستحيل أن يكون وصل لما وصل إليه. ستقتنع وترى بنفسك أن التعددية والجماعات والأحزاب والتيارات هي سبب إثراء وتنوع المجتمع وتنافسه، مما جعلهم في النهاية في مصاف الأمم المتقدمة التي نرسل شبابنا إليها لينهلوا من معارفهم.
المرأة كائن حي يمكنه أن يقوم بما هو أكثر من التفريخ والطبيخ. صحيح أنك ستجد المرأة مهانة في أماكن مثل مراقص التعري وغيرها، ولكنك ستجدها عضو فعال جداً في جميع نواحي المجتمع. ربما ستصبح أكثر قناعة بدور المرأة في مجتمعنا والذي نحتاجه بشدة.
الحرية وليس هناك شيء مثل الحرية. ستجد نفسك فرد حر في مجتمع لا يكبل طاقاتك ولا آرائك. عندما تعود وتعيش هنا لفترة، ستفهم جيداً ماذا تعني الحرية عند الإنسان الذي ذاقها مرة ثم فقدها! ربما سترتفع قيمة الحرية وأولويتها عندك للمكانة التي يجب أن تكون فيها!
الشفافية، محاربة الفساد، المساواة، العدالة، الديمقراطية هي أمور موجودة بشكل واضح في المجتمع الذي أنت فيه. صحيح أن هناك بعض القصص والمظاهر والمواقف التي ربما ترصدها وتناقض هذه القيم والوسائل، ولكن ما ترصده في الغالب هو الإستثناء وليس الأصل. لأنه لو لم يكن هناك شفافية، ومحاربة للفساد، ومساواة، وعدالة، وديمقراطية لما تقدم ذلك المجتمع ووصل للمكانة التي وصل إليها حتى يتم ابتعاثك إليه لتنهل من معارفهم.
عزيزي المبتعث، أمامك ثلاثة خيارات:
أن تعود لنا مبتعث خروفي دبشه : ستنجح وستعود لنا مثلما سافرت.. نفس الشخص.. لم يؤثر ولم يتأثر ولكن استمتع بعدة سنوات من الوناسة فقط + شهادة نجاح دراسية!
أن تعود لنا مبتعث خروفي تائه : تكتفي بقراءة بعض مقالات أعداء المدنية لتريح نفسك وتردد ما يقولونه كالببغاء وخلاصته: لا يجب أن نأخذ من الغرب سوى بعض المعارف “الفنية/الطبية/الهندسية/التقنية” ويجب أن نترك ما سواها “المجتمع المدني، الديمقراطية، حرية التعبير،..”! وحينما تسألهم عن مشروعهم البديل؟ لا تجد لديهم أي جواب منطقي بل تكتشف أن ليس لديهم أي مشروع!
أن تعود لنا مبتعث بطل: ستنجح دراسياً وتعود لنا بقناعات وقيم إيجابية توصلت إليها بعد اندماج حقيقي في المجتمع ومؤسساته.
عشت في أمريكا بين 96 و 2001. وفي هذه الفترة لم أكن على بعثة دراسية، وأستطيع أن أقول أنني مارست أغلب ما ذكرته في الأعلى من نصائح بشكل مباشر ومؤثر. وبسبب اندماجي في المجتمع هناك، خرجت بجميع القناعات التي ذكرتها في الأعلى ليس بناءً على كتب وأشرطة ومقالات و “ثني الركب” ولكن بناءً على الاحتكاك المباشر في المجتمع.
الأموال التي ستصرف عليك في مرحلة الابتعاث هي من أموال الشعب السعودي. نناشدك كمواطنين سعوديين غير مبتعثين أن لا توقف علينا بخسارة أنت كمان!
تحديث (١)
الصديق المبتعث المدون الرائع خالد العتيق اقترح الأفكار الإضافية التالية:
زر متحفاً
تعرف على تاريخ مدينتك
اعقد صداقة مع الشايب الذي يومياً يجلس في الكوفي وأجعله يحكي لك أيام زمان
زر أكبر عدد من المزارات
أجعل المطاعم العربية في آخر قائمة البحث
إجعل الدكاترة يعلمون أنك سعودي.. ستتوطد علاقتك معهم
لا تنسى إرسال رسائل تهنئة لأصحابك في المناسبات
تعرف على عائلة صديقك
هل هناك أفكار أخرى؟