لا يمكنك التعلّم وأنت تتحدث طوال الوقت
كنت أراجع اليوم يوميات وملاحظات شخصية قديمة غير منشورة كتبتها قبل 10 أعوام. يمكنني القول أن حجم ما اكتشفته وتعلّمته حول النفس البشرية خلال السنوات الخمس الماضية في كفة، وكل ما قرأته واطلعت عليه باقي حياتي قبلها في كفة أخرى. بل بدون مبالغة، أستطيع القول أن كثير مما كنت أعتقده من حقائق وقواعد حول العلاقات مع الناس والتواصل الإنساني إما خاطئ، أو ساذج يحتمل نسبة بسيطة من الصحة. السنوات الماضية كان معظم تركيزي في القراءة والاطلاع على جوانب النفس البشرية المختلفة سواءً عبر الأعمال الأدبية كالروايات أو الأفلام أو المحاضرات.
لا يمكنك التعلّم وأنت تتحدث طوال الوقت. عندما تكون في مرحلة جامحة من حياتك تهتم بالكثير من الأمور بنفس الدرجة وفي نفس الوقت، تنافح عن آراء وكأنها عقائد، تدخل في نقاشات حادة وجدلية، تتصادم بشكل مقصود أو غير مقصود، في الغالب ليس هناك وقت لديك للتفكير والتركيز والتأمل والتعلّم. تحتاج كثير من الهدوء والعزلة والصمت حتى تسمح لنفسك بالاطلاع والقراءة، ولعقلك بالتفكّر والتأمل.
اكتشافاتك الجديدة ستصيبك ربما بشيء من الصدمة، شيء من اهتزاز الثقة، وكثير من التردد. الصدمة من قصر فهمك وحجم ثقتك المفرطة في منطلقاتك السابقة، والتردد من خوض تجارب وعلاقات جديدة خوفاً من اهتزاز وسقوط قناعاتك الجديدة مثلما سقطت السابقة.
حجم عمق استثماراتك السابقة في بناء العلاقات سيكون عامل مؤثر يصيغ علاقاتك المستقبلية بعد مرحلة الانكشاف هذه. إذا كانت علاقاتك سطحية، لم تعطي من قلبك، ولم يكن الصدق والإخلاص عنوانها، فلن تشعر بكثير من الأسى لأن خسائرك ليست عميقة، فقد كنت حذراً طوال الوقت وستواصل كما أنت. أمّا إذا كنت تعطي من قلب، تحب من قلب وتصادق من قلب، توفي بالوعد والعهد، تقف وتواصل حتى وإن غادر الآخرين، ففي الغالب ستسعى مستقبلاً للتقليل بقدر ما تستطيع من بناء أي علاقات جديدة تتجاوز مصالح قصيرة المدى، مباشرة وواضحة الحدود خوفاً من تكرار تجارب الماضي، ولا بأس في ذلك..