أكأب فيلم في التاريخ: ألمانيا، الأم الشاحبة
قبل عامين قرأت كتاب “امرأة في برلين (ثمانية أسابيع في مدينة محتلة)” لـ مارتا هيلرس، والذي يعتبر من أبلغ الكتب التي تحكي حال المجتمع الألماني بعد الهزيمة وما حصل في برلين بعد سقوطها بين أيدي الحلفاء. الكتاب شنيع بمعنى الكلمة، ويظهر لأي عمق ممكن تصل روح الانتقام لدى البشر. مؤلفة الكتاب سردت -من بين كثير من القصص المؤلمة- قصة اغتصابها من قبل الجنود الرووس، وهي واحدة بين مليون امرأة ألمانية يقال أنه تم اغتصابهن من قبل جنود الحلفاء المنتصرين.
قراءة الكتاب ساهمت بتكوين تصوّر جيد عن شكل الحياة بعد الحرب، كيف تكون حياة شعب مهزوم ومكسور بعدما كان في قمة مجده ويسعى لاحتلال العالم. كيف تكون حياة السقوط من قمة الطموح والغرور والعنجهية إلى قاع الهزيمة والإنكسار والصدمة.
بالأمس وقعت بالصدفة على ما يمكنني بوصفه أكأب فيلم شاهدته في حياتي، وحتى يثبت العكس سأعتبره أكأب فيلم في التاريخ. فيلم “ألمانيا، الأم الشاحبة” (أو الباهتة) Germany, Pale Mother كان قد تم إنتاجه عام 1980 وعرض في مهرجان برلين للأفلام تلك السنة. تقييم نقّاد المهرجان كان في غاية السلبية لدرجة أن منتجي الفيلم قاموا بالتراجع وسحبه ولم يعرض في السينما بعد المهرجان. بعد مضي عقود من الزمن، تم عرض الفيلم في دول مختلفة وحصل على إشادات وشهرة واسعة.
يحكي الفيلم قصة فتاة عاشت أيام حكم هتلر ولم تكن معجبة به ولا بالنازية. تقدم للزواج منها شاب لم توافق عليه إلا عندما تأكدت أنه لم ينضم للحزب النازي. بدأت الحرب وفي يوم عيد ميلادها علمت بأن الدولة قررت إرسال زوجها للحرب في بولندا. تدور مجريات القصة ويعود زوجها ويحاولان العودة للحياة بشكل اعتيادي، ولكن كيف ستكون شكل الحياة في بلد محطم ومكسور، ويكون الزوج عائد من حرب خاسرة والزوجة كانت مرّت بالهوائل خلال غيبته وقت الحرب؟ هنا تكمن عظمة هذا الفيلم الكئيب، حيث نجح في تصوير حياة باهتة وشاحبة لدرجة أنه يصعب وصفها بالحياة، تماماً مثل “ألمانيا، الأم الشاحبة” بعد الحرب والهزيمة. أبلغ جملة في الفيلم كانت عندما قالت بطلة الفيلم: “بدأت الحرب داخل أنفسنا، بعدما سكنت في الخارج”.
القصة كئيبة، ملامح الممثلين في غاية الكآبة، تمثيلهم رتيب وكئيب جداً، اسم الفيلم كئيب، وكل شيء له علاقة بالفيلم كئيب. ولذلك تفهم لماذا كان موقف النقاد في غاية السلبية منه في المهرجان وتم إلغاء عرضه في السينما. ربما تملّكتهم الكآبة لدرجة رحموا العالم من مشاهدته.
ولكن يبدو أن الجميع نسي أن عظمة الفيلم وحتى يوصل صورة شكل الحياة في ألمانيا بعد الحرب تتطلب أن يكون الفيلم كقصة وتمثيل وإخراج بالفعل في غاية الكآبة. فيلم عبقري..