في أن تقول لا..
عندما تتخرج من الجامعة وتدخل مرحلة الشباب رسمياً ومعها الحياة العملية، فإن كلمة (نعم) تكاد تكون هي المسيطرة على حياتك. نعم لكل اكتشاف وتجربة جديدة، نعم للتعرف على أصدقاء جدد، نعم لكل دعوة وعزيمة، نعم لكل مشوار، نعم لكل ما يبدو أنه وقت تسلية، نعم لكل فكرة تبدو مثيرة. نعم هي كلمة سهلة، جواب سهل، قرار سهل، الأسلوب الأفضل حتى لا يشعر الطرف الآخر بالرفض.
نعم لها فوائد، تكتشف وتجرب وتطلع على الكثير في وقت قصير إذا أكثرت منها. ولكن مرحلة نعم يجب أن يكون لها صلاحية وقت وانتهاء وإلا فإنك ستندم. مشكلة التعود والإدمان على شيء كما هو معروف، يجعل التخلّص منه صعب ويأخذ وقت.
يوماً ما تكتشف فجأة أن الحياة اختلفت، وتبدأ تجد أن (لا) هي الجواب المناسب لك في معظم الحالات. تشعر بالاكتفاء نوعاً ما من كثير من التجارب، وتحتاج للتركيز على أمور محدودة في العمل والحياة، وعلى أصدقاء معدودين كذلك. هذا الاكتفاء لا يمكن الوصول له إلا بأن تكون (لا) هي الجواب الافتراضي على معظم ما يطرح عليك من اقتراحات وأفكار، وعلى معظم ما تحدثك به نفسك.
كلما خجلت من قول لا وتأخرت في التعود عليها، كلما شعرت بثقل المجاملة وأنك تخشى الناس، وتصبح غير صادق في التعامل معهم. حيث يكون حضورك معهم باهت، والوقت معهم ثقيل، وتقوم بأعمال لست مقتنع بها لأنك فقط لم تجروء على قول لا. تجامل على حساب نفسك ووقتك وصحتك وراحتك لأنك لم تتعود على قول لا.
(لا) هي جواب المنجز، لا للانشغال بما يمكنه أن يكدّر مزاجك ويومك من أحداث أو توافه، لا للمشاركة بالتعليق على معارك وهمية. لا هي بوجه آخر نعم للحفاظ على وقتك وتركيزك وراحتك. لا هي تقدير لذاتك وتقدير للآخر في نفس الوقت إذا كان واعي ويفهم ويحترم قراراتك. المسألة مسألة مراحل عمر وحياة، نعم تكاد تكون هي جوابك الافتراضي لكل شيء في مرحلة، و لا تحل مكانها في مرحلة أخرى. الناس تشعر بأنك تغيرت، وأنت تشعر بأنك تغيرت، وهذا التغيير يجب أن لا تخاف منه بل تتقبله كجزء من الحياة.