الجدل لا يغيّر عقل أحد، القصة الجيدة هي ما يمكنه عمل ذلك

أغلب الجدالات الرقمية التي كنا نخوضها في فترة الشباب، قبل أن توصلنا تجارب الحياة والعمر -رغماً عنّا- إلى ما يمكن أن نسميه -بمبالغة- “النضج الفكري”، هي في الحقيقة حالات كانت أقرب إلى أن تكون “تفكيراً بصوتٍ عال” إذا كان طرحنا فيها هادئاً، أو “استمناءً فكرياً” عندما نكون متشنجين وحادّين، مأخوذين بجمهورٍ معجب ويعزّز لنا.
أجمل وأبرز ما في منصات الإنترنت تلك الأيام كانت الجدالات الرقمية والمناظرات، ثم تغيرّت الإنترنت والمنصات، ومرت الأعوام والأحداث، وتغيرنا نحن مع تقدمنا في العمر ومع تغيّر الأجواء.
الأمور التي كنّا نطرحها على أنّها إيمان وحقائق ومسلّمات، كانت في أغلبها أمور “نفكّر فيها بصوتٍ عال”، في داخلنا شك غير معترف به تجاهها. ما كان يجعلنا نطرحها بموثوقية عالية وحدّية، هو فضاء الإنترنت الساحر؛ كان وما زال المنبر الوحيد للجدالات والنقاشات وصراع الأفكار. وما كان يجعلنا نستمر في أسلوبنا آنذاك، هو الشعور الجميل بوجود آخرين يشاركوننا ما نفكّر به، يتفقون معنا ويؤيدونا، فنستأنس بهم، ويشعرونا بأهمّيتنا.
ربما لو كنّا في مجتمعات ذات منابر تعبير متعددة، لكنّا أقل حدّية في طرحنا، لأن تعدد المنابر والفضاءات يستوعب ويفرّغ شحنات الحماس.
لا أعتقد أنني استطعت تغيير عقل أحد بسبب تلك النقاشات المطولة، ما نجحت فيه ربما هو حصد بعض الإعجاب بأسلوبي، وعندما يصبح الشخص معجباً بك، فإنّه يتقبّل كل أو معظم ما تطرحه ويؤيدك، وهذا أمر مختلف عن تغيير عقل شخص وموقفه بسبب نقاش وجدل.
يقول ريتشارد بورز “الجدل لا يغيّر عقل أحد، القصة الجيدة هي ما يمكنه عمل ذلك”. صاحب القصة الجيدة ومن يطرح فكرته من خلالها بأسلوب ذكي، يدخل العقل والقلب بدون أن يشعر المتلقّي، وفرصته أعظم في تغيير العقول ثم المواقف.
كلّما طوّرت مهاراتك في الكتابة، وعملت على تحويل أفكارك إلى قصص توصلها إلى الناس، وابتعدت عن الجدل، كلّما كانت قدرتك على الإقناع وتغيير العقول أكبر وأعمق من قدرة أهل الجدالات الرقمية الذين تراهم اليوم في تويتر وغيرها.