يُقال إن أحد تفسيرات الاهتمام الغربي الشديد بجوائز نوبل – بفروعها المتنوعة – يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة الخلود، التي تشكل هاجساً محورياً لدى السياسيين والمفكرين والعلماء والأثرياء في الغرب.

فبعد أن يحقق أحدهم كل ما يطمح إليه في هذه الدنيا، ويفتقر إلى نظرة تفاؤلية تجاه الآخرة –إن كان مؤمناً بحقيقتها– يصبح خلود ذكر اسمه في الدنيا بعد رحيله أكبر همومه.

أمّا نحن المسلمين، فننظر إلى الخلود نظرة مختلفة جذرياً؛ إذ نؤمن أن خلود أعمالنا، لا أسمائنا، هو المهم بعد مغادرة هذه الدنيا. فكل جهودنا هنا لن تعود علينا إلا بنتائج استثمارنا في ثلاثة أمور: “صدقة جارية”، “علم نافع”، و “ولد صالح يدعو له”.

لن يصل أحدنا في قبره تقرير موجز عن ارتفاع أو انخفاض شهرته بين الناس، أو آخر تقييمات النقاد والمراقبين لأعماله، أو تقلبات أسواق الأسهم وتأثيرها على ثروته التي قضى عمره في جمعها.

كل أعمالنا وجهودنا وعلاقاتنا واستثماراتنا في هذه الدنيا ستنقطع انقطاعاً تاماً مع نزولنا قبورنا، إلا نتائج استثماراتنا في تلك الأمور الثلاث، ولذلك يبدو أنه من الحكمة والذكاء تعظيم استثمارنا فيها واحتسابنا الأجر، لضخامة عوائدها طويلة الأمد، إن كنّا نؤمن بحقيقة الآخرة، وحقيقة مغادرتنا هذه الدنيا في أي لحظة.

ولو تمعّنا في الأمور الثلاث، سنجد أنها تدعونا إلى أن نكون شخصيات إيجابية متفاعلة مع المحيطين والمجتمع، لا أنانيين منعزلين خلف أهوائنا الشخصية، كما في الرؤية الغربية الانعزالية، بل شخصيات إصلاحية بكل معنى الكلمة.

فالصدقة الجارية تعني أن نتفاعل مع المجتمع، نبذل ونتصدّق بجزء من أموالنا المكتسبة، ننتصر على الهوى والشيطان، ونساعد المستحقين بما نستطيع.

ونشر العلم النافع يعني احتكاكنا بدوائر أهل العلم والعمل والفكر، عبر الدراسة والتتلمذ والتأمّل والكتابة والبحث والإنتاج العلمي والإرشاد، لنؤثر معرفياً في الناس ويستفيدوا من اجتهادنا في حياتهم.

أما تربية الولد الصالح (ذكراً كان أم أنثى) فهي أعظم اشتباك إيجابي مع المجتمع؛ فأن يترك الواحد من بعده أشخاصاً صالحين، عناصر بناء لا هدم في المجتمع، يعمرون الأرض، فهذا نجاح عظيم لا يوازيه آخر.

عاش البشر وماتوا بالمليارات، فكم اسماً نتذكره اليوم؟ قلة قليلة نسبياً: بعض الأشرار الكبار، وبعض أهل الخير الذين بذلوا أعمارهم في نشر العلم.

سنُنسى كما نُسي غيرنا، مما يجعل مجرّد التفكير بخلود أسمائنا في الدنيا فكرة حمقاء وغبية. المهم خلود نتائج أعمالنا لتصلنا عوائدها في قبورنا، وذلك غير ممكن إلا عبر ثلاث طرق محسومة: صدقة جارية، علم نافع، وولد صالح.