نظامي السرّي للسيطرة على حياتي، نحو حياة أكثر هدوءاً

مبكراً في حياتي، جربت العيش سبهللا، بدون تصميم أي نظام في جوانب حياتي، فاكتشفت أن الوقت يذوب بين أصابعي، أعيش في حالة ردة فعل دائمة على المؤثرات الخارجية، والبركة تتلاشى.
قررت أن أصمم نظاماً بحسب المستطاع يناسبني لكل جانب مهم في حياتي، بهذه الطريقة ربما أستطيع السيطرة على وقتي، وأتحكم في المدخلات من مؤثرات خارجية، على أمل أن يكون مستوى إنتاجي مستمر وفعّال.
هناك بالتأكيد فرق كبير بين أن تكون أحد “مهاويس الإنتاجية”، وبين أن تكون شخصاً منضبطاً، لديه نظام شخصي مقتنع به يساعده على التحكم في وقته، فتعيش حياة مستدامة ومنتجة.
النظام الشخصي يعني خلق روتين يناسب نفسيتي وقدراتي بحسب فهمي لنفسي، أراجع هذا النظام، وأغيّر فيه مع الوقت لتحسينه أو لإبعاد الملل، ولكن يبقى لديّ دائماً نظام ما أحاول الالتزام به.
والنظام/الروتين يحدد لي عدداً من الأمور، مثلاً: ماذا أفعله، ولا أفعله، متى، كيف، خطوطي الأوباميه الحمراء، وخطوطي الحقيقية الحمراء، من وما هي الأطراف التي أمنحها استثناءً لكسر نظامي.
والجوانب التي تستحق أن تضع لكل منها نظاماً كثيرة، ومنها النوم، العمل، القراءة، التمشية والترفيه، الأكل، النادي الرياضي، التواصل مع الآخرين، إلخ.
وأهم هذه الأمور برأيي هو نظام التواصل الشخصي مع العالم، وهو الأمر الذي إذا استطاع المرء ضبطه، فقد سيطر على جزء كبير من حياته.
فالبشر (وأنا منهم) كائنات غثيثه عندما تقارنها مع باقي الكائنات الحية من ناحية التواصل، شاهد مثلاً كيف يتحاور، ويتواصل الناس مع بضعهم، وقارن ذلك مع الطيور، لا مقارنة.
والتواصل مع الناس في هذا العصر يكون في العادة عبر أدوات رقمية معروفة، يمكننا حصر أبرزها وهي:
- مكالمات الجوال
- البريد الإلكتروني
- تطبيقات مراسلة مثل واتساب، تليجرام.
- قنوات السوشل ميديا مثل لنكدإن، وتويتر، إنستاغرام، تيكتوك، سنابشات
ونظام تواصلي مع العالم هو نظام تطور مع العمر، ومع تطور أدوات التواصل، أراجعه وأقيّمه، وأحسّنه إذا شعرت بالحاجة إلى ذلك، فهو ليس بالأمر المقدس، ولا دستور شخصي، ولكن محاولة شخصية، وهو كالتالي:
مكالمات الجوال
- أتصل مباشرة بأي صديق أو شخص يعرفني أو موظف ما دام الوقت مناسباً (بين 10 صباحاً و 10 مساءً)، وإذا كان مشغولاً فسيقول لي ذلك، ويعود للاتصال بي، أو يرد عليّ برسالة جوال حول انشغاله.
- إذا كان اتصالي مع شخص أول مرة أتحدث معه، فمن المستحيل اتصل به قبل إرسال رسالة SMS نصية، أعرّفه فيها بنفسي، وكيف حصلت على رقمه، وكلمتين عن سبب الاتصال، وطلب تحديد موعد يناسبه للمكالمة. في الغالب يرد مباشرة أو يحدد وقتاً آخر، وهذا المطلوب، لأنّه من غير اللائق الاتصال بشخص لا يعرفني من دون مقدمات، فربما الوقت غير مناسب عنده لانشغاله، أو مزاجه ليس مناسباً.
- في حال اتصل بي رقم لشخص أعرفه، أرد عليه فوراً، وإذا كنت مشغولاً أخبرته، وعدت للاتصال به لاحقاً إذا الموضوع غير عاجل.
- في حال اتصل بي رقم من الإمارات، أقوم فوراً بإقفال الاتصال من دون الرد عليه، وربما أضفته لقائمة الحجب، كل شيء هناك مثير للشبهة.
- في حال اتصل بي رقم هاتف أرضي محلّي، أقوم بالرد مباشرة، لأنهم في الغالب جهة حكومية، والحكومة ليس من الجيد تطنيشها.
- في حال اتصل بي رقم جوال سعودي غير مخزّن لديّ، ففي الغالب لا أرد عليه فوراً، أنتظر حتى ينتهي الرنين، وأنسخ الرقم ثم ألصقه في خدمة KSA Numbers حتى أعرف المتصل. فإن عرفته، رديت على اتصاله، وإن لم أعرفه، فأرسل إليه رسالة جوال مختصرة، أقول فيها “معذرة، رقمك غير مسجل عندي، من معي؟ وكيف أخدمك؟”.
البريد الإلكتروني
- كل عناوين بريدي الإلكتروني الخمسة تصل إلى نظام بريد واحد، ومنه أدير جميع الرسائل. كنت من أوائل المشتركين في خدمة Hey، وسنوياً أجدد اشتراكي بارتياح.
- لا أفعّل التنبيهات على الجوال أو الديسكتوب، ولكن أراجع صندوق بريدي باستمرار على مدار اليوم.
- إذا وصلت رسالة من شخص جديد، فإن النظام يضعها جانباً آلياً، ويسألني إذا رغبت في السماح للمرسل بمراسلتي مستقبلاً أو وضعه في قائمة الحجب، أقوم باتخاذ فوري بحسب المرسل.
- إذا كانت الرسالة شخصية، والموضوع بسيط، مثل طلب قرار أو تأكيد، فأقوم بمعالجته والرد فوراً.
- إذا كان الرد يحتاج وقت إلى معالجته، فأضعه في قائمة Later.
- أتعامل مع قائمة Later، وكأنها قائمة مهام، أقوم بمعالجتها وتصفيرها عدة مرات في اليوم بحسب سماح الوقت.
- لا أخرج من صفحة/تطبيق صندوق بريدي إلا، وهو فارغ تماماً (inbox zero)، لأن الرسائل إما رديت عليها، أو أرشفتها، أو وضعتها في قائمة Later.
- حالة بريدي الصفرية مريحة نفسياً، لأنها تعني لي أنه لا يوجد مهام تنتظرني في هذه القناة التواصلية المهمة، إلا ما قررت وضعه على جنب بإرادتي.
الواتساب
- هو بيت الداء، وأحد أسباب تدهور الأمّة العربية في العقدين الماضية. وضعت تعريفاً في حالة واتساب “لا تراسلني إلا إذا قامت الحرب العالمية الثالثة”، تخيف البعض وتجعلهم يتواصلون معي في حالة الضرورة فقط.
- لا أفعل تنبيهات واتساب على الجوال أو ديسكتوب.
- لست موجوداً في أي مجموعات واتساب على الإطلاق، كسرت هذه القاعدة على نحو استثنائي في حالات نادرة قصوى.
- أي شخص يرسل إليَّ منشورات عامة “برودكاست”، أطلب منه بأدب حذفي من القائمة لازدحام رسائل واتساب وكذا، أو أقوم بحجبه، وميزة واتساب أنه لا يخبر الآخر أنك قمت بحجبه.
- أي شخص يرسل إليَّ رسالة شخصية، أتفاعل معه، وأرد عليه فوراً، وإذا كان في رسالته ملفات مهمة تستحق الأرشفة أو الاطلاع في وقت آخر، أقوم بتنزيلها فوراً في قوقل درايف، ثم أحذف الشات.
- كل مراسلاتي مع الموظفي والشركاء والعملاء تكون خارج واتساب، وتكون بالاتصال أو البريد الإلكتروني، أو عبر نظام Basecamp لإدارة الأعمال، حفاظاً على السرية والأرشفة والتنظيم.
- لا أستمع لأي رسالة من شخص أعرف أنه غاضب أو منزعج منّي من أمر ما، بل أحذفها فوراً، ثم اتصل به بعد مرور بعض الوقت، ويكون ربما أكثر هدوءاً. من تجربتي، الناس يرسلون رسائل صوتية ثم يندمون عليها، وأنا لا أرغب في جعل من يعز عليَّ أن يندم. وأفضّل الاتصال والتواصل المباشر الهادئ والحوار، بدلاً من تبادل الرسائل التي ربما نرسلها في لحظات غضب.
- أستمع إلى الرسائل الصوتية بحسب مدتها.
- لا يبقى عندي في واتساب أي رسالة بعد قراءتها والرد عليها، أعامل واتساب مثل صندوق البريد الإلكتروني، حيث يكون واتساب فارغاً تماماً من الرسائل.
- لا يوجد عندي أرشيف واتساب منذ تأسيسه، ولم أحتج إلى ذلك.
تليجرام
- فيها مجموعة العائلة، نتواصل هناك بعيداً عن أي مشتتات.
- موجود في مجموعتين فقط في تليجرام، أحدها مع أبناء العائلة، والأخرى مع صديقين في جدة لترتيب مواعيد اللقاء الدوري بيننا.
- تليجرام فارغ تماماً عندي، إلا من المجموعات الثلاث، وليس عندي أرشيف هناك.
لينكدإن
- أدخل لينكدإن مرة واحدة في اليوم لمراجعة الدعوات.
- إذا كان صاحب دعوة الارتباط سعودياً، أقبل طلبه فوراً.
- إذا كان مقيماً يعمل في السعودية، أقبل الدعوة إذا كان مجال عمله ذو علاقة بمجال اهتماماتي وعملي.
- إذا كان من الهند أو باكستان أو قائمة دول محددة عندي، فأقوم فوراً برفض الطلب، لأنهم في الغالب مسوقين.
- لا أكاد أرد على أي رسالة في لينكدإن، إلا إذا كانت شخصية جداً، وأشعر أنها لم ترسل إلى غيري.
- صندوق رسائلي في لينكدإن شبه فارغ بعد تنظيفه كل يوم.
تويتر وباقي القنوات
- إعدادت تويتر تسمح لي بالسماح لمن يتابعني أو الحسابات الموثقة بمراسلتي.
- أرد على كل رسالة تصلني، ثم أحذف الشات. نفس الوضع مع ما ذكرته أعلاه.
- لا أستخدم سنابشات ولا تيكتوك ولا إنستاغرام، ولكن أدخل إلى حسابي هناك مرة كل عدة أسابيع، وأجد أحياناً رسائل أكل عليها الدهر وشرب، ولا أتفاعل معها.
- من يعرفني ولديه أمر مهم، سيستخدم قنوات أكثر جدية من تلك المنصات المضيعة للوقت.
أغلب رسائل الناس غير مهمة ولا تستحق الأرشفة.
عندما تجلس مع صديق وقريب عزيز، وتسولفون وتضحكون، هل تكتبون محتوى جلستكم أو تسجلونه صوتياً؟
لا بالطبع، فالمهم هو لحظة الحوار والحديث، والذي ستخزنه ذاكرتك، ولا يستحق التوثيق.
فلماذا تصرّ على إبقاء النكات والرسائل غير المهمة في واتساب والبريد الإلكتروني أمام عينيك؟
عاملها مثلما تعامل الحديث الشخصي، تفاعل وراسل ورد، ثم احذف، حتى يبقى صندوق الرسائل فارغاً، وهذا مريح جداً صدقني.
أحد الأصدقاء كاد أن يُصاب بشلل رباعي عندما عرف تفاصيل نظامي هذا، وأريته شاشة واتساب وتليجرام البيضاء. فهو بعكسي تماماً، يؤرشف كل لحظة استنشاق أوكسجين في حياته، ومرتاح مع ذلك.
بالنسبة لي، فهذا النظام يناسبني، ولا يناسب ربما أغلب الناس، ولكن المهم أن يصمم المرء نظاماً مقنعاً لنفسه، ويلتزم به، ثم يطوره، ولا يعيش سبهللا.
أخيراً، حاولت البحث في موضوع الحمام الزاجل، وهل ممكن إعادة إحيائه في هذا العصر للتواصل مع الآخرين، ولكن لم أجد أحد يشجعني على الفكرة للأسف.