عن إرهاب الإيجابيين و الحق في التشاؤم
أحد الأشياء القليلة التي أرى أنني أجيدها هي ابتكار مصطلحات لبعض الظواهر العامة والأمور التي تلفت انتباهي لتكررها وتفتقد لوصف مناسب. مؤخراً أظن أنني ابتكرت مصطلحين جديدين هما “إرهاب الإيجابيين” و “الحق في التشاؤم”. وبالطبع، ما تحتاج عالم فلك ليقول لك بأنه يمكن صك مصطلحين لنقيضيهما.
تتراوح مشاعر ونظرة الإنسان الطبيعي -وهو يخوض معارك حياته اليومية-، بين التفاؤل والتشاؤم. طبيعي جداً أن يشعر بالتفاؤل في أوقات، والتشاؤم في أوقات أخرى. هذه النظرة وهذا الشعور نتيجة لتحليل اطلّع عليه أو سمعه ثم أمعن التفكير واقتنع به، أو تحليل ذاتي بحت لأحداث وعوامل متغيرة تدعم أحد الشعورين بين حين وآخر. غير الطبيعي أن يكون على خط واحد طوال الوقت إمّا متفائل أو متشائم.
إذا كان الإيمان يزيد وينقص كما تقول عقيدة أهل السنة، فماذا عن الانطباع الذاتي نحو نواحي الحياة المختلفة؟ التفاؤل والتشاؤم حول المشروع الذي أعمل عليه، أو سياسة ما، أو تحولات معينة، أو علاقة شخصية، أو غيرها. أحياناً يستطيع المرء تفسير شعوره، وكيف وصل له. وأحياناً لا يعرف، وإنما هو شعور يتملكّه وقرر أن يبوح به. أين المشكلة إذن؟
المشكلة إذا كان المرء لا يستطيع التعبير عن شعوره الحقيقي خوفاً من جمهور أحد الطرفين. فعندما يكون متشائم ولكن الجمهور يظهر عليه أنه متفائل، فإنه يخشى التعبير عن تشاؤمه خوفاً من الهجوم عليه واتهامه بالسلبية والإحباط وغيرها. رغم أنه لم يقصد إلا ممارسة “الحق في التشاؤم” والتعبير عن شعوره، ولا يقصد إقناع الآخرين بتبنيه ومناصرته. مجرد قناعة وشعور يعبّر عنه.
وأحياناً يكون متفائل حول موضوع معين يعبّر عنه، ولكن الجمهور بشكل عام يحمل تصوّر متشائم، فلا يغفرون له شعوره بالتفاؤل وهم متشائمين.
“إرهاب الإيجابيين” ربما يجعل المرء يشعر بالذنب لوصوله لشعور بالتشاؤم، وربما يقتنع بأنه شخص سلبي ومحبط كما قالوا عنه ويتنازل عن “الحق في التشاؤم”. ونفس الشيء كذلك في حالة التفاؤل. في كلتا الحالتين، يخشى المرء عن الإفصاح عن شعوره الحقيقي أو أنه ينافق ويقول بما يشعر أن أغلب الجمهور يقولون به لأجل مسايرتهم وعدم مواجهتهم.
الأفضل له ربما إذا كان يخشى ردات الفعل وذاق مرارتها أن يصمت. تعوّد المرء على البوح بعكس ما يشعر به هو مدخل للنفاق إلى قلبه.