الواتساب في العمل: كيف تغرق فريقك بالفوضى وتحرق أعصابهم!

عندما تحاول مراسلتي عبر واتساب، وتضغط على اسمي، ستجد أن النص الموضوع في مكان “الحالة” هو “راسلني فقط إذا قامت الحرب العالمية الثالثة”.
وضعت هذه العبارة منذ سنوات، وفائدتها التقليل من جو الهراء الواتسابي. بعض الظرفاء الذين يراسلونني لأول مرة، يكتبون لي “معذرة أخ فؤاد، أعلم أن الحرب العالمية الثالثة لم تقم بعد، ولكن أنا فلان، وأرغب في التواصل معك بخصوص كذا وكذا…”.
علاقتي مع الواتساب -كما هو واضح أعلاه- ليست على ما يرام، يشوبها رفع الضغط والحرقان والتهاب المرارة، والبركة في الذين أساؤوا استخدامه، ويقع على رأسهم من يستخدمه في بيئات الأعمال، غير مكترث بأضراره.
الواتساب يرسّخ ضعف الأمان واختراق الخصوصية
تمتاز الشركة/الجهة ذات الثقافة الواتسابية بنقص الأمان، وعدم الحفاظ على سرية البيانات، أو احترام الخصوصية.
كلنا نعرف قريباً أو صديقاً وقع في فخ سرقة حساب الواتساب الخاص به، ومن ثم يمكن للمخترق الاطلاع على كافة محادثات مجموعات واتساب الشركة، وتنزيلها إلى حاسوبه الشخصي في دقائق. قبل أسابيع تم إضافة أحد الصحافيين الأمريكان المشهورين بالخطأ في مجموعة شات فيها ترمب وإيلون ماسك وقياديون آخرون، وبعد بقائه صامتاً مدة من الوقت، نشر تقرير صحافي شهير عن ما كان يُتَدَاوَل في القروب!
من المعتاد أن يقوم موظفو الجهة الواتسابية في مجموعاتهم بتداول بيانات وأرقام ومعلومات وملفات وعروض ذات علاقة بأطراف داخلية وخارجية “العملاء، الموردين، الجهات، إلخ…"، بدون أي حوكمة، أو حرص على الأمان والخصوصية.
سهولة المشاركة وسرعتها عبر الواتساب تجعل الموظفين لا يستخدمون نظام العلاقات CRM، إن كان موجوداً، أو لا يحدثونه.
أمّا البريد الإلكتروني فلا يُسْتَخْدَم إلا في المراسلات الخارجية التي لا تغني عنها رسائل الواتساب، رغم أنّ البريد الإلكتروني هو وسيلة التواصل الأساسية لتوثيق أعمال الفرق المختلفة وطلباتهم الداخلية والخارجية.
هذه الثقافة الواتسابية المتساهلة وغير المبالية ستنعكس على ثقافة الشركة ككل في باقي نواحي العمل وترسخها.
الواتساب ينفّر من أهمية توثيق المهام وإدارتها، ويضعف الحوكمة
ربما يكون لدى الجهة الواتسابية اشتراكات في أنظمة إدارة مهام ومتابعة، ولكن لا يكاد أحد يستخدمها بفعالية، لأن كل المهام يتم توزيعها ومتابعتها عبر مجموعات الواتساب، أو الرسائل الشخصية المباشرة هناك.
هذا يجعل الجهة تعاني ضعف إدارة مهام الموظفين ومتابعتها وتحسينها، والبركة في القياديين والمدراء الذي يوزعون المهام، ويصدرون القرارات على شكل رسائل صوتية أو نصية، بدون أي توثيق محوكم لها، والذين سيدفعون الثمن غالياً إذا وقع الفأس في الرأس.
الواتساب يشتت الموظفين، ويحرق تركيزهم
ببرود شديد، يرسل المدير إلى الموظف رسالة صوتية أو نصية في أي لحظة يشاء، يوبخه أو يعاتبه أو يطلب منه تنفيذ شيء عاجل، ولا يفكّر إذا كان الموظف مشغولاً بالتركيز في إنجاز مهامه، أو في احتمالية أن تتسبب رسالته العاجلة في تشتيت الموظف وذهاب تركيزه.
هناك شريحة أخرى من المدراء والموظفين يتواصلون واتسابياً مع بعضهم خارج الدوام وكأنهم ما زالوا داخله. هذا شيء مفهوم ومطلوب في الحالات الضرورية، أما أن يصبح عادة مستمرة، فهذا مؤشر لثقافة مرضية تعني أن الجهة تدار على نحو سيئ.
تعامل المدير مع موظفيه بهذا الأسلوب الواتسابي، سيجعل الموظفين يتعامون مع بعضهم بالأسلوب نفسه، ويصبح شيء معتاداً بينهم، بحيث يكسرون تركيز بعض، ويشتتون بعضهم البعض، بدون التفكير في رفع أسلوب التواصل والتنسيق بشكل محترف.
هل هناك شيء يحرق تركيز الموظفين وتشتيتهم، أكثر من إغراقهم بالرسائل الصوتية والنصية داخل وخارج العمل؟
الواتساب يساهم في تعزيز الانفعالية وفقدان السيطرة
عندما يفتقد المدير لضبط الأعصاب والهدوء، وهي من أهم الصفات الواجب توفرها في أي قيادي، ويكون واتسابي الهوى والأخلاق، ستجده يمطر موظفيه برسائل انفعالية صوتية ونصية يمكن تصدر منه أي لحظة، أحياناً لا يفهمون سببها، وأحياناً لا يكون الخطأ أو المشكلة التي ظهرت تستحق كل ذلك الانفعال.
يمكن تقبّل ذلك إن كانت حالة نادرة، فلا يوجد أحد معصوم من الزلل، ولكن المشكلة أن سهولة الواتساب تدعم الانفعالية، ويمكن للشخص التعود بسهولة على هذه الممارسات السيئة، ولا يوجد أسوأ من حال شركة يستنتج موظفوها من رسائل مديرهم الانفعالية أنه شخص فاقد السيطرة على نفسه وأعصابه.
الواتساب يضعف شخصيات القياديين، ويخنق مساحاتهم
أحد أكبر الكوارث الواتسابية هو وضع الشركة جميع موظفيها ومدرائهم في مجموعة واحدة كبرى، ومعهم بالطبع المدير الكبير ونوابه.
إذا استمرأ المدير في المجموعة الكبرى على مخاطبة الموظفين أو موظف معين أمام الجميع، ووجه له النقد والتقييم، بدون وضع أي اعتبار لمدير الموظف أو القياديين، فإنّ ذلك يعني أنه لا يحترم مساحة القياديين، ويهمشهم كأشخاص ويهمش مكانتهم في عيون موظفيهم وفرقهم.
محبو هذا الأسلوب يعتقدون أن هذه الممارسات تدعم “الشفافية”، وتكسر الحواجز، وهي أمور إيجابية، ولكن لا علاقة لها إطلاقاً بهذه المجموعات الجماعية والمهازل.
قل لا للواتساب في العمل
إذا كنت مديراً أو قيادياً في شركة/جهة واتسابية، فإن مسؤوليتك هي أن تدفع جهتك نحو التخلّي عن الواتساب في العمل، واستبدال ذلك بحلول وأنظمة إدارية احترافية وفعالة، مثلما يحصل في عالم الشركات والجهات المحترمة.
كل استخدام للواتساب في العمل، يوجد له نظام بديل احترافي، ربما ليس بمثل سهولة وسرعة واتساب، ولكن بالتأكيد أقل مخاطرة وأكثر أماناً وتنظيماً للعمل ولأعصاب وتركيز الموظفين.
دور المدراء والقياديين هو بناء كيان احترافي، تنظيم العمل وتطويره، حفظ طاقة الموظفين وتركيزهم، وليس وضعهم في مجموعات واتساب مثل الغنم، وقذفهم بالرسائل النصية والصوتية ليل نهار.