جمل الذكاء الاصطناعي في مخيم الرياض

منذ بداية كورونا في يناير 2020، ومع بداية فترة الحجر، لم أسافر إلى الرياض في الأعوام الخمسة الماضية إلاّ بمعدل مرة كل عام، وليوم واحد فقط كل مرة. أنا من الذين اتخذوا قرارات استراتيجية في حياتهم أيام الحجر، ومن بينها كان قرار التخفيف من رحلات العمل بقدر المستطاع.

هكذا استمر الوضع حتى الأسبوع الماضي، حيث سعدت بحضور مخيم معرفي عن الذكاء الاصطناعي، استمر لخمسة أيام في الرياض، من التاسعة صباحاً حتى الخامسة كل يوم. يقول المثل العربي البائس: إذا سرقت، فاسرق جملاً. والجمل في حالتي هذه هو أهم موضوع في العالم اليوم؛ الذكاء الاصطناعي.

تناوب على تقديم محاضرات المخيم مجموعة من كبار الخبراء واللاعبين في شركات عالمية كبرى مثل أمازون، ميتا، أبل، وصناديق استثمار جريء أمريكية معروفة. طرحوا في محاضراتهم محاور مختلفة؛ أين نحن اليوم من مسيرة الذكاء الاصطناعي، كيف وصلنا هنا، وأين نحن متجهون. شاركوا تجاربهم الشخصية حول تطوير تطبيقات وخدمات الذكاء الاصطناعي في شركاتهم، المشاريع التي عملوا عليها، التحديات التي واجهوها، توقعاتهم المستقبلية، ونصائحهم. استقبلوا بصدر رحب الكثير من أسئلتنا، وأعطوا مساحات للمناقشات والجدالات المفيدة.

خرجت من هذه الأيام الخمسة بترسيخ بعض القناعات السابقة:

  • يقيني بغزو الذكاء الاصطناعي كافة مجالات الحياة والأعمال، وإعادة تشكيل نماذج عملها بشكل أعمق مما يتخيله أحد الآن.
  • يقيني باستبدال الذكاء الاصطناعي معظم الوظائف البشرية المكتبية والمعرفية المعروفة، أو كما قال أحد الخبراء لنا: سيستبدل الذكاء الاصطناعي وظيفة أي شخص حالياً يجلس على مكتب وأمامه حاسوب يعمل عليه.
  • اللاعبان الأساسيان هما الأمريكان والصين، وباقي العالم في دوري الدرجة الثالثة. السباق مفتوح، ولا يوجد أي قواعد أو عراقيل أو خطوط حمراء يضرب لها اللاعبون أي حساب، هذا سباق لا مثيل له.
  • لا يوجد أي خطط جادة تحت التجهيز لمعالجة آثار احتلال الذكاء الاصطناعي للعالم؛ الجميع يرى بأن سخونة السباق لا تسمح بالتمهل والتفكير في مخاطر هذه الثورة، فضلاً عن وضع أطر وخطط للتعامل معها. كل الأفكار والخطط التي نسمع عنها هي هراء لا أحد يتعامل معه بجدية. الفكرة عند الجميع هي: نحن مشغولون بالسباق الآن، وبعدما نصل وننتصر، سنرى ما هي الآثار التي ستنتج وكيف نعالجها.
  • الشركات التي لا تبدأ من الآن في وضع خطط كيفية تطويع الذكاء الاصطناعي في مجال عملها اليومي، وفي كافة الأقسام ومع كافة الأطراف، ستخرج من السوق؛ لأن منافسيها سيسارعون بتطبيق خططهم، وسيتفوقون عليها سريعاً.
  • رواد الأعمال الأوفر حظاً في النجاح مستقبلاً هم من يبدأ الآن في تجارب تطبيقية للذكاء الاصطناعي داخل شركاتهم، يتعلّمون منها ويعدلون عليها، ويطورونها مع الوقت، بالتالي يكتسبون خبرات توسّع المسافة بينهم وبين الآخرين.

أؤمن أن الذكاء الاصطناعي هو أهم اكتشاف بشري بعد اكتشاف النار قبل مئات الألوف من السنين. بالتالي، فإن مكاسب وفوائد وأخطار وكوارث هذه الثورة، هي بالفعل أعظم من قدرتنا على تخيلها الآن. وبما أنني لا أثق بعقلانية البشر، ولا نواياهم الطيبة، ولا قدرتهم على كبح جماح رغبتهم في السيطرة على الآخرين والتنازل عن تملّك أسباب القوة، فإنني أميل إلى أن البشرية ستدمر نفسها بقصد أو بدون قصد.

وعلى الرغم من ذلك، وبعد هذه الأيام الخمسة، وبعد الاحتكاك بتلك العقول وخوض تلك النقاشات البديعة، أجد نفسي تواقة للتعمّق أكثر في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، وربما سيكون أهم مجال أعمل فيه مع شركائي في أي مشروع قائم، أو أي مشروع مستقبلي أكون شريكاً فيه.

حماسي الشخصي الشديد هذا -والله أعلم- يحتمل أن يكون سببه وقع سحر الدهشة، وصناعة المستقبل، أو الرغبة في المسارعة مع الآخرين في الانتقام من البشرية وتدميرها.